أنت هنا

قراءة كتاب العريضة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العريضة

العريضة

رواية " العريضة " للكاتبة القطرية نورة آل سعد؛ و نقرأ من اجواء الرواية : هل بإمكان حادث طارىء وعابر أن يجردها من حياتها ؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
لا تقوم عائشة بتحوير الأحداث وإعادة تفسيرها فحسب، بل بإمكانها أن تلغي تلك الرغبات التي تطاردها أو تجمدها وتزيحها كلية، وتجعل من وعيها لغواً لا طائل منه تقتات عليه، ولكن لا يقودها - بطبيعة الحال - إلى شيء آخر! لا تسعى عائشة إلى شيء آخر! لا تسعى إلى بناء معرفة جديدة عن عالمها: بل تقوم ببساطة بإعادة تشكيل قناعاتها بشكل نكوصي لتقبل بما لم تكن لتقبله أبدا·
 
هناك شيء لم تستطع عائشة التخلص من وطأته؛ إنه هاجس المراقبة والتجسس عليها، وعزز ذلك من مخاوفها من المجهول، واستفحل شعورها بانعدام الأمن حولها· لم يثر ذلك في نفسها ازدراءً لطبع جابر بن سالم بقدر ما أفقدها ثقتها في نفسها وكبلها تماما! لم ترد عائشة أن تمنح شكوك (بو سالم) فرصة الانتصار يوما، ولن تعطيه أي خيط للاشتباه أو اصطياد مستمسك ضدها! ستكون - إذن - المرأة المثالية الكاملة التي لا يستحقها (بو سالم) ولا يصل (مواصيلها·· أبدا)·
 
يجمل بكل امراة أن تخشى تجسس زوجها عليها· وأي امراة لا تخشى ذلك ؟ يخطىء الرجال في المجتمعات الأبوية عندما يطمئنون إلى حريمهم ويرخون الحبل على الغارب، بيد أنهم لا يفعلون ذلك! إنهم لا يركنون إلى الثقة العمياء في النساء لان الرجال أنفسهم يعيشون حياة مزدوجة، ويستخدمون الأقنعة المستعارة التي يحبذ المجتمع سيرتها ويوفر إمكاناتها وينتج دواعيها ويحرس اسرارها وطقوسها، وعندما يخالف الفرد تلك النواميس المرعية يخرج بذلك على شريعة الجماعة، ويكون معرضا للنبذ أو الطرد·
 
بعد حادثة بيروت، اضطرت عائشة إلى إجراء عملية جرد لأوهامها التي ازدهرت سنين، وأثارت حماستها وألهبت مشاعرها في حبها الخالص لذكرى صالح بن أحمد، وسوف تقوم الآن بتحويلها عكسيا - باسم الحب - إلى ضد الحب نفسه·
 
تجد نفسها أكثر ضموراً ومحدوديةً ولكن - ياللمفارقة- أكثر عقلانية فها هي تعترف بأن (حبها) غير خالد! لقد أضحى قصة منتهية عندما قدرت له تلك النهاية غير المتوقعة! إنه مخرج لإنهاء التعاسة الجزئية وتحويلها إلى تعاسة كلية أبدية· إنه التحرر من الوهم الذي يحيطنا ويجعلنا لا ندري ماذا نفعل بحريتنا، إلا أن نرميها عبثا في وجه أخطائنا المتكررة· أن تتحرر عائشة من عقدة صالح معناه أن تحملق في الفراغ من جديد، أن تتلفت حواليها فلا تجد إلا العماء، وتبتهج بالعبث لكنها سوف تتحرر - في المقابل - من أخطائها! يا لها من فكرة مروعة: أن تقايض الحرية مقابل السعادة! يجب ألا نطالب أبداً من التحرر من أوهامنا حتى تلك التي تُعد أشدها غرابة وسخافة·
 
متى تخطت عائشة صالحاً ؟ لم يعد يمثل صالح لعائشة الشيء نفسه منذ مدة طويلة قبل حادثة بيروت بكثير دون أن تجرؤ أو تكون مستعدة لمواجهة ذلك الاحتمال فقد كان صالح توأما لأفكارها منذ وعت التفكير والحلم·· والحب·

الصفحات