رواية " العريضة " للكاتبة القطرية نورة آل سعد؛ و نقرأ من اجواء الرواية : هل بإمكان حادث طارىء وعابر أن يجردها من حياتها ؟
أنت هنا
قراءة كتاب العريضة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
ماذا عرفت عائشة من الحب ؟
وقعت عائشة تحت رحمة حب حماتها لسنوات عديدة· لبثت أسيرة في بيت أهل جابر موديلا معروضا في فاترينة· كان عليها أن تتزين كل يوم وتجلس في مقعد النسوان، دون ان تتفوه إلا بأقل ما يمكن من الكلام، ردا على من يخاطبها! تباهت بها حماتها واحتفت بها أيما احتفاء· أصبحت عائشة مضطرة إلى ملازمتها أوقاتاً معينة يوميا، وكانت تصحبها معها· شغفت بها حماتها تماما، وكانت امرأة متطرفة في انفعالاتها تبالغ في تدليلها، ولا تني تسال عنها ولا تكاد تستغني عنها، لكنها لن تتورع عن انتقادها بجفاء وغلظة أمام الناس لأتفه الأسباب· كل ذلك الحب وكل تلك العناية البالغة كانت مدفوعة الثمن· لم تملك عائشة أن تستهجن طبع الحماة ولا أن تبتعد عنها، ولا حتى أن تظهر لها أي مشاعر سوى الطاعة والانصياع؛ لأنها مالكة البيت ومن فيه، ولأن وضعها كان يخوّلها أن تكون على ما هي عليه، وعلى الآخرين أن يحبوها كما هي، فهي من يمنح ويقسم ويوزع الارزاق والعطايا، وهي من ترتب الأولويات وتنظم الحياة والحقوق؛ إنه نظام الحياة وهذا هو دور الحماة· عندما بكت عائشة أمام جابر سألها وألحف في السؤال ثم انتفض مستغربا: تبكين من أمي ؟ أمي تدور راحتك! أمي تخاصمني من أجلك اذا سهرت بره وتركتك! انت مخبولة ؟
اذن كان عليها أن تقبل بذلك النوع من الحب المهين! وعليها أن تمتن لمانحيه وإلا فإنها ستكون مسخا في وسط يتعايش أفراده ويتصالحون على نظام الحقوق والواجبات غير المكتوبة· وبغض النظر عن ضيق مساحة التنفس الشخصي فإن عائشة كانت أميرة في البيت الكبير منذ أن حلت فيه! حتى اخوات جابر صرن يسارعن إلى إهدائها وإقامة الولائم المتتابعة في بيوتهن تكريما لزوجة جابر ومدللة الحماة·
تشرد عائشة بعيدا! تترك كل ما يواجهها في تلك الساحة وتهوم بعيدا مثلوجة القلب واليدين الفارغتين!! مسندة الظهر إلى ذلك الجدار العالي تنتظر أن ينشق ويفتح لها كوة في جدار الصمت؛ لتستأنف حياتها الطبيعية، ولكن الجدران تقترب وتعلو وتزداد عائشة تقزماً وذوباناً !
كان زوجها شيئا من الأشياء التي وقعت واستمرت في حياتها، أما صالح فهو الحلم الذي بقي على مسافة ثابتة بين الإمكان والمستحيل، يعني بعبارة أخرى؛ الإمكانية التي يجب ألا تقع·
صالح موجود أمامها الآن وكأنها في سينما أمام شاشة عرض يكر شريطها الأملس غير المؤذي على حائط، وما دام لن يخرج صالح من الحائط ولن يقترب منها فهي إذا بمأمن من اختلاط الزمانين والمكانين· ومع ذلك فإنها تشاطر صالحاً الموقف الذي أوقف عنده الزمن منذ عشرين سنة خلت من عمرها، وعمر صالح، وعمر المرقاب· لم توجد قط في مكان يضمها مع صالح! وتراه الآن وجها لوجه وإن لم يتعرف إليها؛ فإنها كانت تستطيع الاقتراب منه، ولكنها لم تعرف ماذا ستقول له! ماذا بقي لهما بعد كل تلك السنوات؟