رواية " العريضة " للكاتبة القطرية نورة آل سعد؛ و نقرأ من اجواء الرواية : هل بإمكان حادث طارىء وعابر أن يجردها من حياتها ؟
أنت هنا
قراءة كتاب العريضة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
عاد السائق أدراجه متوتراً، فكر في إخبار (بو سالم) بالأمر ولكنه تراجع لما يعلمه من حدة طبعه، وظل يترقب ظهور عائشة لكي يقلها بعيدا عن ذلك المكان الذي انقلب فجاة إلى مكان خطر· بدأ رجال الدرك يتوافدون ويسدون البوابة، وطارد بعضهم شبابا اندفعوا وتراكضوا باتجاهات متفرقة لتضليلهم· لقد كان بو سالم يحييه بنفحات طيبة عندما يجتهد في تقديم تقريره عن تحركات المدام، ومن قابلت، وأين نزلت، ومع من تناولت طعام الغداء، وكان الأمر يسير بصورة طيبة فالسيدة محتشمة وصويحباتها معدودات، ولا تكاد تغير مشاويرها المعتادة؛ الخياطة سوزي، ومحال الأزياء، وصديقتها فريدا التي كانت مرافقتها ودليلها، وكانت المدام مولعة بالسينما ومكتبة جبوري، وبالحلويات (وغير ذلك السلام وعليكم السلام)·
تعرف عائشة بيروت المصائف والمطاعم والمحال الباهظة، السهرات النسوية العشوائية، والولائم الباذخة، تعرف بيروت الدكاكين والتذكارات والذخائر والصالونات، تعرف رياض الصلح ومطاعم ومقاهي السوليدير، وساحات وسط بيروت التجاري، والروشة والحمراء؛ ولكنها لا تعرف شيئا عن بيروت الأخرى أو عن (بيروتات) الآخرين بل كانت تخشاها؛ تخشى اللصوص والمتطفلين وقارئات الطالع والفقراء والعيون الحاقدة والطامعين والمتملقين والسياسيين، وتكره الزحام لأنها تخشى الضياع·اليوم استسلمت لخداع بيروت، اختطفتها الغفلة، وأكثر ما يروعها الآن في ورطتها كيف ستبرر ما حصل لـ(بو سالم)! ماذا ستقول له ؟
كم مرة تمنت عائشة أن تختفي من العالم! وكانت عندئذ تقوم بتحويل الناس من حولها إلى (لامرئيين)! وتبقى هي موجودة ومتعالية وقاهرة للعالم المعادي، العالم المجهول·
بعد زواجها انتقلت فورا إلى بيت أهل زوجها، لم تعد تزور أهلها إلا لماما، وكانوا يزورونها نادرا! بدا لها أن هناك تواطؤا بين العائلتين للإبقاء على ذلك الوضع· لم تسل عن أخبار صالح حتى لو من طرف خفي، كان ذلك أشبه بالخيانة، وكانت خائفة جدا! لكنها ظلت تخون زوجها طوال الوقت؛ لأن صالحاً ما برح يعيش بينها وبين جابر وعلى الوسادة ذاتها· لولا صالح لما استطاعت أن تستمر في حياتها، ولا أن تعاشر زوجها، ولا أن تخرج من دائرة البرودة المصمتة إلى دائرة الزوجات الكامنات· لقد أسمت مولودها الأول أحمد، ذلك الأمر الوحيد الذي أقدمت عليه باصرار، بعد ولادة متعسرة عصيبة، عندما دخل عليها جابر ممتقع الوجه بعد أن ظن أنه سيفقدها، قالت له:
- سأسميه أحمد·
قال لها بعين دامعة:
- انت تأمرين يا أم أحمد·
بررت له فيما بعد أن أحمد هو اسم عمر الشريف في فيلم تأثرت به· في الحقيقة كان صالح بن أحمد يكنيها بأم أحمد؛ أم ابنه ولكن - للمفارقة- قد غلبت على زوجها كنية (بو سالم)، اسم ابنه التالي الذي سمي كذلك تيمنا باسم جده· كان جابر مولعا بعائشة لاسيما في أول زواجهما، ربما لأنه لم ير من النساء من هي أجمل منها··بعد! لم يكن قد غادر الدوحة إلا لبيروت طالبا، وعرف عددا من النساء، الأمر الذي جعله يتعلق بعائشة العفيفة أم أولاده وبنت بلاده! ربما كان سيمنحها المزيد من الحب لولا وجود أمه وشخصيتها الطاغية في البيت، فضلا عن برود عائشة وانسحابها مهما حاول استمالتها بالتدليل والهدايا! لقد منحها اسم الولد البكر من دون أن يستشير أحدا، كل ذلك لتعلم يقينا بأنه يحبها ولكنها كانت امرأة بلا مشاعر (أي امرأة لن تخونه!) وهذا هو العزاء الوحيد لرجل غيور وزير نساء ·