أنت هنا

قراءة كتاب لعبة البوح

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لعبة البوح

لعبة البوح

لعبة البوح هي الرواية الفائزة بحازة الغونكور، وقد نالت الكاتبة أكثر من جائزة رفيعة في فرنسا.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
في البدء، كانت غائبة تمامًا، ومن ثم أيقظت الآلام جسدها· ألم في الرقبة، خدر في الساقين، انتفاخ في البطن· بعد ذلك أمسك الغثيان بها من معدتها حتى فمها· وإن فتحت عينيها، جرها الدوار من شعرها وهزها حتى تبدأ بالصراخ· كانت تشعر بذراعي الحارس القويتين تطبق بها على الفراش، وتسمع الناس يتحدثون عنها بضمير الغائب ومن كل جانب· فثمة من ينعتها بالسيدة، وآخر يصفها بالكحولية، أو بالهذيانية، أو هي رقم كما في المشرحة· لم تسمع من ينطق باسمها أبدًا· يا إلهي، لكم كان لفظ اسمها محببًا عند أطباء النخبة الذين كانوا يطلقونه عليها، كما لو كان اسمًا لأعلى مرتبة تشغلها ممثلات المسرح الفرنسي· لقد كان هؤلاء الذين نستنجد بهم في الطوارئ ليلاً، مفتونين بفكرة إن مهنتهم، كانت في مستوى أسطورتها، وتراهم يسجلون بلا تردد، على وصفاتهم، لولا دول· مدام دول، هذا ما نادتها به الممرضة عندما فتحت لها باب الغرفة، حيث ستتلقى العلاج· كانت فتاة الصالة تكرر: لولا، لولا، لعجزها عن القيام بشيء آخر تخفف به من شدة معاناتها·
 
كان معلم الطاقة الذي رافقها في أفلامها الأخيرة، قد دربها على الصراخ كوسيلة للتخلص من عوارض الإدمان· فتبدأ أولاً في التأوه، لسحب الأوجاع المتكلسة في جميع أوتار جسدها، والتي يؤدي إهمالها إلى السرطان، وبعد أن تجمعها في عضلات الضفيرة الشمسية، تقوم بإطلاق صرخة هائلة لتخرجها دفعة واحدة، وبعدما تشعر بالخواء، وبزوال قوتها تصبح حينها مستعدة للتصوير مرة أخرى·
 
وأثناء الفترة التي كانت لا تزال تعاشر الرجال فيها، استيقظت يومًا بالقرب من عاشق ثري، وبعد نوبات من اللهاث، أطلقت صرختها الرهيبة· مما أصاب عاشقها بالهلع، وظنها ستموت· فقالت له بعد أن استرجعت أنفاسها: أنا أشعر بالخجل، بالخجل من أن تكون أنت وليس سواك· فنهض بقفزة واحدة، وتركها· وبينما كان ينتظر وصول المصعد، ويضغط على الزر كالمجنون، كانت هي لا تزال تعوي بأقصى طاقتها· وعلى الرغم من الأبواب والجدران، ظل يسمع صراخها الثاقب، مما دفع به إلى نزول طوابق البناية راكضًا· وفي الشارع، كانت زحمة السيارات في نيويورك، وضجيج حركتها، وصفارات البوليس، والإسعاف، كأصداء لصرختها التي هرب منها·
 
وأصبحت تصرخ في كل مناسبةٍ، تصرخ لأن القنينة التي لم تكن مغلقة جيدًا، انزلقت من بين أصابعها أمام الستارة الحديدية المقفلة لمحل بيع الخمور، أو لأن البائعة لم تجد لها قياس الستيان المناسب من اللون الذي اختارته، أو لأن الحلاق جرَ خصلة من شعرها· كانت تصرخ للاشيء، تصرخ لتسمع نفسها ليلاً، كما لو أن أحدهم فتح الضوء لها·

الصفحات