ثادريميس؛ حكايةُ المَعْقليْنِ الأخيرين للبشر: ثَارُوْس، وجارتها هِيْكو، على تخوم جبال كُوْربين السوداء· حكايةُ أَختام، ورُسُل، وتماثيل، ونهايات لايمكن كتابتها إلاَّ هكذا: أيْ تاريخُ كلِّ تاريخٍ مُخْتَزَلاً· حكايةُ اللوح المُهشَّم، الذي تبقَّى من الرسم المنح
أنت هنا
قراءة كتاب ثادريميس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
لم تنجُ أنتَ، بعدُ· فأسي في يدي يا ميناذي· سأستعيد عضلةَ الموت المتراخية في ذراعي هذه· سأعير الموتَ ذراعي هذه· لم تنجُ بعدْ، قال ديامين لاهثاً·
تلمّس ميناذي جثتين من حوله يتقرّى سلاحاً مّا· تهدّلت كتفاهُ يأساً: سأنتظر ضربتك يا ديامين· سيكون يأسك أشدّ من يأسي الآن في صحبة هذه الكلاب الجائعة· ستتنفس الجثثَ لا الهواء
لم أقتلك بعد، يا ميناذي· لستُ يائساً يأسك بعدُ يا ميناذي· سأعثر لك على فأسٍ، أو نصل حَربةٍ، وسأهبك الوقتَ، الذي يكفيك ويكفيني لنعيد إلى ضربات المحاربينَ أملَ النهاية الفاخر كخصيَتَيْ هذا الـ قال ديامين، وانتشل حفنةً من الوحل رماها بيده المرهقة صوب الكلب المقترب منهما، فلم يكترث به الكلب· تنفّس من فمه المبتلِّ بالمطر· دار ببصره على الجثث الأقرب· تحت ساق الميت، الذي على يسارك، شيءٌ مّا، يا ميناذي· اسحَبْهُ
سحب ميناذي حربةً قصيرة من تحت ساق الميت· مسح النصلَ براحته المُتْعَبة، فوجد النصلَ مكسوراً· ضحك ضحكةً مختنقة: لن يكفيني هذا النصل لقتلك أسقَطَ الحربةَ من يده: اقترِب يا ديامين· ساعضّك من وريد رقبتك، فمال عليه ديامين: عُضّني، قال·
في الفجر الرابع للحرب حول هضاب أرض ثاروس الثماني، كانت المصادفةُ المتقَشّرة كالبصلة تحت الفؤوس قد أظهرت لُبّها للمحاربَيْن، ديامين وميناذي· اختَرَقا الصفوف فتواجها جائعينِ إلى حساءِ القَدَر الناضج· ظنَّ كلٌّ منهما، بالتقدير القويِّ لبراعتيهما في استنطاق الفؤوس، أنه سيُنهي غريمَه باستدارةٍ عليه، كالفراشة، من صدره إلى ظهره، بعد ضربة أو ضربتينِ مُرْهِقَتَيْنِ على الترس أولاً، ثم يشقُّ سلسلةَ العظام الأربعة من العمود الفقري، تحت الرقبة، بين الترقوتين· لاأحد ينجو إن غارت شفرةُ الفأس إلى النخاع هناك: حريقٌ صاعقٌ يتلوه الشللُ·
دارا، أحدهما حول الآخر، كفراشتين· تقعَّر ترساهما من الضربات، وتشوَّشتِ النقوشُ في الصفيح السميك· داخ المعدنُ· داختْ ذراعاهما، وكاد يُغمى على المكان، في الساعة التي تلت الظهيرة·
لم يكن باقياً من المتحاربيْن الأعداء غيرُ بضعة صفوف قصيرة من الفريقين، في الفجر الرابع· طحنتِ الجموعُ الجموعَ على الجانبين· اخترقتِ الصفوفُ الصفوفَ، على الجانبين، حتى بلغتِ النساءَ، والدوابَ، والأطفال، فمزَّقتهم الفؤوس· كان دأبُ المتحاربيْنَ، في الأنحاء المترامية حتى الفراغ الذي يلي الفراغَ من أرض ثاروس، أن يصحبوا أهلهم أجمعين، ودوابهم، إلى ساحات الحرب، فلا تعود النجاةُ ممكنةً إلاَّ بالفوز· وإذْ عاين ميناذي الجهات بعينيه الغريقتين في وحل أعماقه ووحل أجفانه، أدرك أن لا أحد، سواهما، يُبدي حراكاً، من تخوم كروم العنب حتى الأسوار القائمة على قمم الهضاب· هو لايعرف كيف اخترق بصرُه ستارةَ المطر، والتفَّ من حول بساتين الزيتون الكثيفة، ثم بلغ سفوح الهضاب الثماني المرصوفة رصفاً بالموتى· قلبُه المتناثر في هاوية يقينه ردَّد صدى الفزع الأخير: لا أحد· مال على ديامين: أتكفي أسناني لقطع وريدك؟ رفع أصابعَه الموحلة إلى فمه· تقرَّى بها أسنانَه: عندي ثغراتٌ في فكِّي· أريد سلاحاً
أأعطيك فأسي، أم أجد لك ماتقتلني به؟، قال ديامين· اتَّكأَ على فأسه، ونهض مترنِّحاً· نظر من عليائه إلى وجه ميناذي المخضَّب بالوحل· أغمض ميناذي عينيه كأنه ينتظر ضربةَ المعدن الأخيرة: ها استعَدْتَ عضلةَ الموت غيرَ مُرهقَةٍ، في ذراعك، ياديامين، قال· فتح عينيه على صوت نباحٍ مختنق: أضربتَ الكلبَ؟، تمتم·