ثادريميس؛ حكايةُ المَعْقليْنِ الأخيرين للبشر: ثَارُوْس، وجارتها هِيْكو، على تخوم جبال كُوْربين السوداء· حكايةُ أَختام، ورُسُل، وتماثيل، ونهايات لايمكن كتابتها إلاَّ هكذا: أيْ تاريخُ كلِّ تاريخٍ مُخْتَزَلاً· حكايةُ اللوح المُهشَّم، الذي تبقَّى من الرسم المنح
أنت هنا
قراءة كتاب ثادريميس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
جرَّ الكلبُ، الذي كان يحوم حولهما، نَفْسَه المثلومةَ مبتعداً ينزف الدمُ من خاصرته· واكبتْه بضع كلماتٍ من ديامين: لم نمت بعد انحنى· التقط حربةً من بين الجثث· قدَّمها إلى ميناذي·
قهقه ميناذي فتناثر بعضُ الوحل عن لحيته القصيرة: أترى التماثيلَ التي نهبتموها من مجالس علمائنا الولاة؟ عليك أن تلتفت إلى الوراء لتراها
دار ديامين على نفسه، ممسكاً بالحربة والفأس كُلاًّ في يدٍ: تسعة تماثيل كانت تتقدم، بحركاتها الثقيلة، من منعطفٍ أسفلَ الهضبة الثانية، متفاديةً أن تدوس الجثث· أحدها ضخم لامرأة واضحٌ معدنُها البرونز· إثنان نحاسيان، ملتمعان· ستٌّةٌ حجرٌ·
ثَادْرِيْمِيْسْ، نادى ديامين بصوتٍ استجمعه متخلخلاً، فتوقفت التماثيلُ برهةً· استدارت إليه بثقل معادنها، ثم عادت إلى سيرها في اتجاه الشمال· لماذا تحمل ثادريميس، على كتفها، اللوحَ الذي نحتتْ هيكلي عليه إحدى عشرة مرة؟· أنت تعرف ثادريميس، ياميناذي؟
أعرفُها تمتم ميناذي، وأطلق زفيراً· لماذا نهبتم تماثيلَ مجالسنا؟، قال الرجل الجالس على ركبتيه·
سألناكم تمثالاً واحداً، فسخرتم منا، ياميناذي· سألناكم أن تعطونا تمثالاً· ألم تكفكم هباتُنا من زيت أرض ثاروس، وزبيب أرض ثاروس، وجعة الشعير من أرض ثاروس؟، قال ديامين، فردَّ ميناذي: طلبتم التمثالَ النحاتَ، لاسواه· لماذا لاتصنعون تماثيل في أرضكم؟ لديكم المعدنُ الحجرُ، والمعدنُ النحاسُ، والمعدنُ الهواء ابتسم من فمه المدمى: أنت، نَفْسُك، تشبه تمثالاً في قناع الطين عليك· لقد نحتَكَ الهواءُ ياديامين
لو أعطيتمونا··، قال ديامين، فقاطعه ميناذي: لماذا كان علينا أن نَهِبَكُم تمثالاً؟
تمثال واحدٌ كان كافياً أن يوفِّرَ علينا وعليكم هذه النهاية، قال ديامين، فطأطأَ ميناذي: تصنعون نهاياتٍ متقنةً كهذه، لكنكم لاتصنعون تمثالاً رفع وجهه إلى ديامين المنتصب: نادِ ثادريميس البرونزَ· نادِ لامِيْنَا، سيلوبو، النحاسيِّيْن· نادِ أهْفَافا، نِينارديس، نيذريو، مِيْدِيْكْسَا، سِيْسْ، رُوْسَالو، الحجرية· إنها راحلةٌ، ياديامين
ثادريميس، تمتم ديامين بصوتٍ فيه نَوْحٌ أخرس· نادى: ثادريميس، فالتفت تمثالُ المرأةِ البرونز إليه· أرختِ المرأةُ ذراعَها عن اللوح الحجري المستطيل، المحمول فوق كتفها اليسرى· تهاوى اللوحُ الثقيل من علوِّ سبع أذرع متهشِّماً، في الوحل المُدمى· رفرفت فراشةُ الرّنين الحجريّ في قلب ديامين· صرخ مرتعشاً: ثادريميس قهقه ميناذي· اتّكأ على ذراعيه ثم استقام: لم أعرف أن في أرضكم شجر كينا نظر إلى دغلٍ متقطِّع الكثافة قرب إحدى الهضاب·
أكان تغيَّر شيءٌ ما، يا ميناذي، لو عرفت أن في أرضنا شجر كينا؟، سأله ديامين· فهزّ ميناذي رأسه: لا خيال لشجر الكينا، قال· حدّق إليه ديامين بعينين يائستين· مدّ إليه الحربةَ: سأريك خيالَ الكينا استدار استدارةً ثقيلةً على ميناذي، وهوى بالفأس عليه فأصابه بين الكتف والعنق· ترنَّح ميناذي· نفر دمٌ من تحت طوق درعه الموحل· أصدر شخيراً مختنقاً من فمه· مدَّ ذراعه إلى ديامين فأمسك شفرة الفأس· قبض عليها· شدَّ غريمَه بآخر ما في عضله من رمق العَصَب، وطعنه بالحربة تحت إبطه الأيسر· مَالا أحدُهما في اتجاه الآخر· تعانقا، ثم انهارا جاثييْنِ·
تنفَّس المطر·
بخطىً بطيئة عبرتِ التماثيلُ السُّهْبَ المعشبَ، شمالاً، ثم توارت خلف صفوف الكروم الفاصلة ـ كشكٍّ خفيفٍ ـ بين معاقل الأرض ومعاقل السماء·