ثادريميس؛ حكايةُ المَعْقليْنِ الأخيرين للبشر: ثَارُوْس، وجارتها هِيْكو، على تخوم جبال كُوْربين السوداء· حكايةُ أَختام، ورُسُل، وتماثيل، ونهايات لايمكن كتابتها إلاَّ هكذا: أيْ تاريخُ كلِّ تاريخٍ مُخْتَزَلاً· حكايةُ اللوح المُهشَّم، الذي تبقَّى من الرسم المنح
أنت هنا
قراءة كتاب ثادريميس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
صريرُ اللسانِ المعدنيِّ
دخل الرسول القادم من أرض ثاروس إلى القلعة الطين، من بوَّابتها الحجرية، المتشعبة المداخل كالمتاهة· تنفَّس هواءَ أرض هِيْكو ـ محميّةِ الروح الصلبة، آخر منابت العمران على تخوم جبال كُوْرْبِيْن السوداء، ذوات السلاسل اللامتناهية الموصودة، حيث لاقيامةَ لبشرٍ بعد ذلك، ولانَفَس لحيوانٍ، ولانماءَ لزرع· اخترق الساحةَ الكبيرة ساحةَ السوق المحاط بأبراجٍ مستديرة، واطئة، مسقوفة بأخشاب تظلِّل الحاناتِ المكشوفة، ومجالس المقايضات الثمينة بين الخاصَّة من حذَّاقِ شِرى المعادن، المستخرجة من مناجم جبل رِيْنْدُو، ذي الوساوس المعروفة عند الحفَّاريْن بعَرَق الزئبق·
لم يكن الرسول جَاجِيْلْيُو متعباً من عناءِ السفر على جواده الأخضر العينين· لقد نام ليلته، منذ المغيب حتى الصباح، قرب سور القلعة، بعد عشاء من الخبز، والعسل، وبعض الزيتون· أراد أن يبدو نضراً، غيرَ مرهَقٍ، قبل دخوله أسواق هيكو، مسترشداً، من الساحة هناك، بالقباب الثلاث الحمراء، التي تعلو سرايا الحاكم القاضي ميناذي· جاور ثُلَّةَ الحرس المسترخية بلا تحسُّبٍ حتى ظنَّ أن في مستطاعه دخول السرايا بلا استئذانٍ، لكنه آثر سلوكَ الرُّسُل في مهمَّاتهم· ترجَّل عن جواده· أراهُم خَتْم قاضي الأرض التي قَدِم منها: عندي كلماتٌ من المؤتَمَنِ على جلال تراب ثاروس إلى المؤتَمَنِ على جلال تراب هيكو، قال، فقاده اثنان، بجواده، عبر سُرادقٍ طويل من عرائش شجر البوغانفيلي البرتقالي، والأرجواني·
كان السرايا مليئاً، من الداخل، بحشود متفرقة، تتجادل بلاغضب في شؤون عرائضها، ومسائل اختصاصاتها، وأحوال البنود الموجبة لحلِّ خلافٍ أو تقييد خلافٍ حتى ينظر فيه الفقهاءُ قبل رفعها إلى ميناذي· نفخ أحدُ المرافقيْنِ في بوق خفيض الصوت، لكن صداه بَسَط رهافةَ الخفيِّ الصامت على رهافة الظاهر الصاخب: عندنا ضيف من ثاروس، قال النافخ في البوق، فمرَّت كلماتُه كنحل شجر الأكاسيا بين الرؤوس حتى حطَّت على يد القاضي الموشومة برسمٍ لزهرة المنثور وقمرٍ هلالٍ· نهض القاضي الطويل، الزاهدُ الهيئة، عن الأرض المفروشة بكليمٍ أزرقِ النقوش· أقلتَ أرضَ ثاروس؟ كيف تذكَّرنا القاضي يُوْرَابَات الحصيف؟ مَن الرسولُ؟ تقدَّمْ
تقدّم جاجيليو النحيل في سرواله الطويل، الواسع كشراعٍ· خَفَقَ معطفُه الجلدُ غير المدبوغ جيداً· سبقته كلماته ويده الممدودة: هذا خَتْمُ المُؤْتَمَن على أرض ثاروس· أنا رسوله بدا عجولاً· ابتسم ميناذي: أهلاً بك رسولاً· تعال، فعاجله جاجيليو بحركة الصوتِ اللامدرّبة على التمهيد: أين التماثيل؟
اختلطت إشارة يده بحركة عينيه· عمّ صمتٌ صاخبُ الفضول· نطق ميناذي وهو يلجم تسارع المعاني المُرْبِكةِ قليلاً: أأكلت شيئاً، أيها الرسول؟، فردّ جاجيليو، الممسك برسن جواده: من يأكل خبزاً مغموساً في زيت ثاروس لا يجوع أربعة أيام، لديّ يومان، بَعْدُ، لأجوعَ نظر إلى جواده: أأنت جائع؟ رعى العشبَ قرب سوركم· عشبٌ مدرَّب
مدرَّبٌ على ماذا؟، ساءله ميناذي مستغرباً، فردّ جاجيليو:
ـ على الإصغاء إلى قلب جوادي·
وما به قلب جوادك، أيها الرسول؟، ساءله ميناذي بصوتِ الحيرة في تقدير التورية على لسان الرجل الممسك برسن جواده· ردَّ جاجيليو: قلبه قلب السهول تلفَّت من حوله· غمغم: أين التماثيل؟