أنت هنا

قراءة كتاب الأختام والسديم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأختام والسديم

الأختام والسديم

في هذه الرواية، يسترجع سليم بركات بعض ذكريات الأرض الأولى بأحداثها الطريفة وأجوائها الأليفة والقاسية، ويعيد تأليفها عبر كيمياء مخيلته السحرية، فإذا هي رواية الغربة والإقامة ، رواية الماضي والحاضر، رواية الأسى والرجاء.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
1-كِيُوثاء
 
(بزوغ اللَّون)البريق الذي التمع على الأدراج المغسولة برذاذ الخريف، قَسَّمً خَتْمه نصفين بين آثار ميدو المبعثرة على رقعة معناها الحجريِّ· لسانٌ صغير تدلَّى من فم الغيم ــ لسانُ نورٍ بلَّلَ الأدراج التسع والتسعين، فالتمعت بالعافية ذات الأثداء المندلقة ملآى على أفواه الشجرات الزرقاء، المحيطة صفَّيْن بالأعمدة القديمة المكسورة، المتناثرة من نهاية الأدرج حتى ساحة الحنان المرصوفة بالحجر الرمليِّ الأصفر· الرجال السبعة، الذين عبروا الساحة، ممسكيْنَ بأرسان دوابهم، أبقوا أبصارَهم ــ أبصارَ الكمائن العريقة على الشجرات يَصِفُونها لأنفسهم بلسان العَجَب الصمت: هي زرقاء، أو تشرَّبَ لحاؤها وورُقها بنَفَس أزرق من رئة اللامعلوم النَّديم· أكثرُ ورقها مبعثر، بإشارق من جواذب الخريف لأرواح النَّبات، على المَعْبَر وحواليه، والقليل الباقي متشبثاً بالغصون يعرف أن الخفقة الأخيرة لجناح العافية ستبعثرهُ أبعدَ من مراقد شقيقاته، في اتجاه الساحة الدائرية حيث تنقذفُ الريحُ، أبداً، كأنما خيالُها مرصودٌ بالأرقام الصُّلبة لخيال الحجر·
 
سبع وثلاثون شجرة· ثماني عشرة تتقابل صفَّيْن، وواحدة مفردة تسدَّ الممرهَ في نهايته قرب الخان· شجر المُعْجَم ــ هذا لقبُها الذي استأنس به عقلُ المقيمين على مشارف أرض الآثار المطحونة، نقلوه عن لسان أرْدَهان حارثِ النَّقْشِ، ابن قاضي الطهاة راوْندْ لُوْرْ، دِهقان الدساكر الثماني والأربعين في سنجقَ فِيْشْ خابور· هي شجراتُه في بستانه الحجريِّ المترامي، من الساحة المرصوفة التي تقوم عليها دارتُهُ الفارهة، الدائرية، حتى آخر عمودِ مُنْتَصف من إرث ميدو، على التلال المتوسِّدةِ عانةَ السماء البليلة غرباً· جَمَع أَرْدَهان الشجرَ والحجرَ إلى خلافته في مِلْكِ أبيه المنصرف، في عزلة قلبه ويقينه، إلى تدوين فاكهةِ الرَّقْمِ ــ الأصواتِ ومراتِبِها، بعد اعتزاله القضاءَ الذي أمضى نصف قرنٍ في فرعٍ من الأَحكام لم يسبقه إليه أحد، ألا وهو فضُّ المنازعة بين الطُّهاة في إقليم شَهْزَزُْرْ·
 
شجر المعجم كذاكنَّي أردهان الفصيلَ النَّباتَ المتسامقَ في حوزةِ فراغه· لم يشرح، إلاّ باقتضابٍ لا يُغْْني، نازعَ خياله إلى تأكيد الكناية: انظروا المعجمَ: تكثرُ الملماتُ فيه فتختبل· وشجري هذا كَثُرَ عليه ذهولُ الحِفْظ الشجر ساهرٌ أبداً· مشرغٌ أبداً على ودائع المسكونات·امتحانٌ نباتٌ مبوَّبٌ على حروف الدَّهْر يقول الكهل، الذي انفتحت بوَّاباتُ قلبه عن مَهَبٍّ من النقوش على كل شيء: جدران دارته، وغُرفها، وأرضها، وساحتها، وأدراجها، والخان المُلحق بها، ومعادن آلاتها من الأسرجة والفواني حتى الأباريق وصِحاف الطعام· ويكاد أن يمسك الغيوم، في مرحٍ، ليعيدها إلى السماء مزينةً بصروف الأشكال وقضاءِ الخطوط· فهو المنحدر أصلاً من سلف تملَّكوا الإيالات في نواحي هكَّارْ بمراسيم من الخط الأيغوري، مدموغةٍ بأختام السلاطين الجنكيزية، عَمَدَ، في سخريةٍ استوفاها من أبيه، إلى دباغةٍ بلا ألم في جِلْد آدميٍّ حيٍّ: العلوم والنَّحو لا يكفيان لإبقاء الكرديِّ كردياً· جِلْدٌ تحوجه دباغةٌ، وكَشْطٌ بشفرة الرَّسم والخطِّ، لكنه بقي على ريبته المأثورة عن سلالة نَسْلِ الجنِّ من الشعر· الكردُ لا يحبون صنف الكلام هذا، الذي يقيِّدُ الهيبةَ في الموقف ويُطلق الخفَّةَ بحساب المبالغة والاعتراف اللذين لا يليقان بالأقوياء· 

الصفحات