في هذه الرواية، يسترجع سليم بركات بعض ذكريات الأرض الأولى بأحداثها الطريفة وأجوائها الأليفة والقاسية، ويعيد تأليفها عبر كيمياء مخيلته السحرية، فإذا هي رواية الغربة والإقامة ، رواية الماضي والحاضر، رواية الأسى والرجاء.
أنت هنا
قراءة كتاب الأختام والسديم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
سريعاً التمَّ نفرٌ من المرحِّبيْنَ حول الرجال السبعة، الذين سلَّموا أرسانَ دوابهم إلى عناية القائمين بتدبير المباهج الصامتة للحيوان في زرائب الحجر، خلف الخان، حيث أعيد تصويب الغاية من الأعمدة المتحطمة في آثار ميدو، فرُفِعَتْ ثانيةً، وكُرِّمتْ بسقوف من جذوع الزَّان عَلاها الطينُ الأحمر المُغْتلم، والمداخنُ ذات القباب المثلَّثات ــ سليلةِ الشَّكل الساهر على حُلمِ الهندسة· وهناك، تحديداً، ضربت شفاعةُ النار والنوم مسكوكَها المعدنَ فانبثق من نَقْشِةِ المسكوك خانٌ هو الأكبر في الأقاليم المدحوَّة كرغيفٍ كونيٍّ من نواحي جبال طوروس حتى زاغروس، وأرارات، مع انفراجٍ في المشهد المسكون على الفراتَيْن وما يليهما شرقاً من أُمم المعمورات والمهجورات·
كانت أيدي الوافدين السبعة تُسلِّم الأرسان إلى الأدلاّء المبعوثين طلائعَ للخدمة، وعيونهم على الشجرات الزرقاء، قبل أن يخرج أردهانْ بنفسه إلى الساحة، من شَقّ الباب الفوسيِّ الضخم كختمٍ ضخم من الخشب المطعَّم بتسعة أرطال من الفضة جَرَتْ بها الحروفُ أقصوصةً عن لسان المُلاَّ سياه، مولانا السيد عبدالله الملقب بالشيخ الأسود، مدوَّنةً بالفارسية على نَسَقٍ من خطِّ الإمام العسيد في علوم الحبر والتدوير سعد الدين شمشاه الباهناني، الذي أُلقي به من قلعة الهناخْ بعد ضربها بالمنجنيق، في تاريخٍ عاثر الحظ· أُوَيْس أوْسِبْخَانْ بكْ الأعور كان إلى يمين أردهان· أمير النوم والنار، الموكل بتدبيرها نقيَّيْنِ، في الخان، أعطى إشاراتٍ من عينه اليسرى الوحيدة، المثلومةِ البياض بسيوف من العروق الحمراء المحتقنة، فهرع الخدمُ بالدواب إلى كمائن العلف والسقاية· وكاد يسبق مخدومة أردهان بن راوند لولا أن سحبه مخدومُه من كمِهِ عباءته يلجمُه من الأسراف في إعلان طباعه الراضعة من أثداء الهررة الكلدانية· فهو ــ أوي أوسبخان بك ــ مذ تسلَّم مقاليدَ إدارة الخان من سلفه أَنْداكيْ تاجْ، الذي مزَّقه سبعة غلمان من القاجار العابرين مع قافلةٍ بالخناجر، يستعرض على كل وافد مراقيَ من الإنشاء المتملِّق في لسانه، حتى لكأنه يستظهر سوراً من علم الأنساب والحمائل المتبوعة بسلاسل من الحجمد والمحامد·
تتراجع الأعور قليلاً· أهلاً بكم قال أردهان فاتحاِ ذراعية· احتضن السبعةَ واحداً واحداً يقبِّلهم من أعناقهم، فوق ذؤابات العمائم المعقودة باستدارتين هما علامتا المشرق والمغيب· تراجع قليلاً حين انتهى العناق· ساواهم بترحاب يديه وعينيه وقُبَلِهِ قبل أن يعرضوا عليه حدائقَ أسمائهم وممرَّاتِها· إنهم، تحديداً، أهل الغاية التي أسرجَ من أجلها الغيومَ ثماني مرات، يقودها رُسًلُه من منابت الريح في ميدو إلى فسطاط اللّه فوق ولايات الصفويين شرقاً، وولايات القاجار شمالاً، كي يذلِّل المطرُ، بشفاعة ما لا لونَ له، طباعَ المُمانعات وجفافَها: فَلْيَحضروا، بحقِّ الخواتمَ، قال أردهان للرُّسل خائفاً من أن يُخْذَل· وها هم حضروا ــ أولئك الذين عرضوا على برهة قلبه الممتلئة لبناً أسماءَ حقائقهم المتصلةَ بالأنساب ــ بعد أن قادهم رُسُل أردهان من الولايات فرادى إلى ملتقى القوافل في قلعة بوران، من أرض النكبات ــ الجلود الآدميةِ التي كتب عليها الشاعر تولون فيغيني مديحه العذبَ للجِمال في صحراء الهون· ولمَّا اجتمع السبعة وسط امتنان الرًّسل للهبوب الموائم من جهات الأقار، بُسِطَتِ الغيومُ الاستبرقٍ لقوائم الدواب والعربات من قلعة بوران حتى نَجْدِ ميدو، وفي البرهات التي أصغى فيها أردهان بخواصِّ الصلاح الأعظم في مَلَكات الإصفاء إلى رنين الأنساب، كانت الغيوم تلك تُطوى لفائفَ كوسائد الأمراء في حاضرة مُوْشْ، وتُطْلَقُ خفيفةً فوق أرائك الأبد ذات التطاريز البويهيَّة: عودي يا بنات الحِيْلة، تمتم أويس أرسبخان، محدِّقاً بعينه الواحدة إلى الغيوم، وانحدرَ بها ــ بعدئذ ــ يُحصي السبعةَ· أرعدتْ غمامةٌ مسَّها لسانُ كبده: أين الثامن؟ ساءلَ خيالَ الأرقام ذا النّظُم المهجورة·