في هذه الرواية، يسترجع سليم بركات بعض ذكريات الأرض الأولى بأحداثها الطريفة وأجوائها الأليفة والقاسية، ويعيد تأليفها عبر كيمياء مخيلته السحرية، فإذا هي رواية الغربة والإقامة ، رواية الماضي والحاضر، رواية الأسى والرجاء.
أنت هنا
قراءة كتاب الأختام والسديم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
منذ بزغَ النّورُ، المُنضجُ للخمائر في قِدْره، بزغَ الإمتحان· أضيئتِ الخلائقُ المستولَدَةُ من كمال غيبوبتها في البرهة التي قدَّرَتِ المشيئةُ لها أن تكونَ امتحاناً· ما ينتظرُ الكائنَ، بعد عثور النور على تار يخٍ للنور، هو الامتحان، أي خضوع الماهية امتناناً لِما لمْ تستطع تلافيه، أو تنطحنَ بحثاص عمّاَ يُرضي أسبابَ مثولها ماهيةً بعدَ أن لم تكنْ·
ما قبل النور ليس ما بعد النور· في الظلام كان كلُّ شيٍ، كلُّ عقلٍ، وفراغ، وإرثٍ مكنونٍ، اختزاناً للأزل في تقدير اللّه للظلام أن يكون ذاتاً تتحدَّد بوجوده، هو، في مغاليق ثقَله·
الظلام هويةٌ تقومُ بها ضرورتُها؛ خلاصٌ لا يخصُّ أحداً؛ رسولُ الإلهيِّ إلى نَفَسْه في المُطْلَق المُعذَّب شوقاً إلى اللاَّمقدور، اللامكنون، اللامتَّصف، اللاّمُثْبَت، اللاوساطة، اللامنتقل، اللاموجبَ له أو عليه، اللاإحاطةَ، اللاخاصيَّة، اللا معمور واللا مهجور· لكن، حين قُدِّر للنور أن يُنشئَ خميرةَ الامتحان الأولى، انجرفت مصكوكاتُ الغيبوبة الكبرى إلى التعلُّق بالأسماء فاصرت علوماً ناقصةً في تقدير الآدميِّ القادم من مصنع النور محمولاً على خفَّةِ آلاته، التي ينكبُّ بها ترميماً على قَدَره كي يوسِّع لنَفْسه باباً إلى القبر·
مع النُّوْر جاءت الأسماء؛ جاء الصوغُ الأكثر قسوةً في تنظيم الإشراقات على هَدْيِ النقصان وتبعية التعيين· لم يعد لشيء منجى من الفتنة· عينك الفارغة ــ عينُ القِدَم شاهدةٌ على عينك الملآى ــ عين التبذير، يا أويس، فاحفظْ لنفسك هذه الخطوة، يقول أردهان· غير أن عيني أويس تخاصمتا وهما تحصيان الرجال الواقفين على ذراع من أنفاس ابن قاضي شهرزور: سبعة· يا للرقم المتدلِّي كخصية من حجاب الأرقام· أين الثامن؟·
إنها برهته الأولى التي يتعرَّف فهيا أردهان إلى ضيوفه ــ أمراء التشخيص بأقلام اللن وترياقاته: الظلامُ الأسودُ، وجراؤه البقيةُ من أحمرَ وأخضرَ ومهتوكٍ ومسوّرٍ· لا بأس· هم ندماء المُسْكِر من الخصائص المُسْكرة في اللاتعيين، يشرقون على العماء من مجاهل الشكل، ويستولدون الخفيَّ خدعةً في مضائق الخطوط· فتح أردهان ذراعيه كأنما يطوِّقهم بالهواء الذي هو امتداد جوارحه اللامنظورة· تفضلوا، وأشار إلى باب الدارة، ثم تلمَّس بأنامل يده اليسرى كتفه اليمنى، حيث تتدلَّى خرزتان صفراوان في خيط ذهبي·
تقدَّم السبعةُ المنبثون نقوشاً آدميةَ في لوح الفراغ الظاهر· أُزيحت الستائر البيض، المخرَّمة، المنسوجة بأنوال قرى سَهرابْ، عن النوافذ الدائرية الثلاث، بأنامل أنثوية، كي تستجلي العيونً خصائص الخطوات المُحْكمة لذكورٍ موصوفين باتقدارهم على ترتيب الوجود الصامت مشتعلاً من فتيل العدم الكتيم· فتح فرهاد الطاهي، ابن الفقيه مَرّدان زَنْكَنَهْ، البابَ الضخم، ذا الصرير المشموم كفراء شجر الزَّان· دخل السبعة يتبعون أويس· تبعهم أردهان، فالطاهي، فثمانية فضوليين من نزلاء الخان، فالفتيات الأربع اللواتي دَرَسْن، بتؤدة، نداَ الكيفة في الأيوان الأكبر، خلف الفُسقيات الستِّ المتقابلة بمياه نوافيرها، وهنَّ ــ بحركاتص من أيديهن المختومة بثمارِ الحناء، تلكَ التحفِ النازعة إلى التماثل مع حروف اليقين مصادفةَ ــ يتأكدن من ثبات قبعاتهنَّ المصنوعة من رقائق المصكوكات النقدية في ولاية أربيل· قبعاتُ ك الخوذ الرقيقة؛ فلوسٌ فضةٌ معقودة بسلاسل مجدولةٍ كسيقان خنفساءِ، فوق مناديل الرأس· ثلاث منهن كذلك، والرابعة بعمامة تتلاطم في دائرتها، من الجبين حتى القذال، ذوائبُ من وَدَع بحيرة وانْ·