الذي يميز هذه الرواية "المفتون" هو أن حوارها يحتوي مجموعة من اللغات، التي يتقاطع بعضها مع بعضها الآخر، فينفرط الصوت في لغات متعددة تأخذ من الهضاب والأعالي والسهول والسجون والمستشفيات لغاتها الخاصة.
أنت هنا
قراءة كتاب المفتون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
بعض الإنزعاج ألمّ بنفس الطبيب النفساني·· فقد أخذ الصبي·· يقوده إلى أحراشه الخاصة· قرأ الرسالة·· التي لم تتجاوز ثلاثة أسطر مع رسم اعتيادي معهود لقلب يخترقه سهم··
كانت موضة القلب والسهم قد ازدهرت فترة طويلة·· ثم تلاشت، بعد أن أصبحت ملاذّ الإتحاد الجسدي لا تحتاج إلى عبارات ورسوم·· فلقد تنحى القلب ولغته إلى ما وراء الهوامش، وأصبحت اللغة السائدة صراخاً جنسياً·· واحتكاكات فجة، وغلواً في الإنسحاق المتداخل·
وكان الطبيب، وهو يعرف استمالة الفكرة في رسوم واضحة، جيدة، مكنته من إجادة الرسم، قد اعترض على إنزلاقات الفن في الآونة الأخيرة، وأخبر أصدقائه·· ان الفنون التشكيلية والرسم بخاصة، في إجازة عن الروح· وان اللوحات الفنية المعروضة هنا وهناك كاسيةً جدران الصالونات هي لوحات حسية، ترصد حركات عضوية، جسدية مبتعدة عن لغة الروح والقلب·
- أنت تفكر بعيداً يا طبيبي العزيز؟
سأل يوسف، وهو يطلق تنهيدة شبه أنثوية·
أصبح الجو خانقاً بفعل دخان السكاير المشتعلة، وأطلت العيون من الوجوه المتباينة بحالات غريبة من التوهج العصابي، والخمود، والبكاء، وثمة عيون كانت مكرسة باتجاه الاثنين· ولاحظ الطبيب أن يوسف اجتماعي مرغوب· وقد تبادل التحية معه عدة أشخاص كانوا يرمقونه بودّ محسوس·
لم يكن وارداً في تفكير الطبيب احصاء الصور غير المألوفة لسلوك يوسف، إلا أنه لا يمكن القول إنه لا يراقبه· لقد أحاطت عيناه به إحاطة كاملة، لم تكن تسبب ليوسف أي إزعاج، بل كان يقابل ذلك بغبطة كبيرة·
- هل تتفحصني يا استاذي الكبير؟
- لا··
- لا تنكر ذلك
ثم بنقلة سريعة، وبصوت خافت، وبوجه ينخفض نحو المائدة، قال:
- أترى ذلك الشخص؟
لم يكن يشير إلى شخص، لكنه كان متأكداً من أن هارون الطبيب سيدرك ما يريده·
- أي شخص؟
- أحد الثلاثة الجالسين قرب النافذة الخشبية، هو ذو السترة الخضراء·