أنت هنا

قراءة كتاب البرزخ، نجمة في سفر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البرزخ، نجمة في سفر

البرزخ، نجمة في سفر

رواية "البرزخ، نجمة في شفر"؛ الصادرة عام 2000 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، للكاتب فريد رمضان؛ نقرأ منها:

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
هكذا وجد أبي نفسه،
 
رجلاً فقد ولادته، فوقف على مشارف نهايات الآخرين من أهالي المحرق، يعريهم وينظفهم، يُطهرهم ثم يلفهم في أكفانهم ويودعهم القبور، مثلما يودع ابتساماته كل صباح، التي أوشكنا أن لا نراها· رجل واهنٌ هلعٌ، طفرت به حكاية غريبة، لم يكف الخال أبداً عن تكرارها عليه، منذ أن كان فتىً أخبره أن نجمته منذورة بغسل الموتى، كان يقول له: ريحك مسحورة منذ جبال عُمان التي نادت على أمك وأبيك، جاء بك إلى البحرين وذهب قبل أن يفوته الموت· كانت أمك تنتظر عودته على شواطئ مطرح** ، قالوا لها سوف تموتين قبل مجيء بَعْلِكِ الذي غاب طويلاً· ولكنه عاد، لملمها وكانت ضعيفة، مهشمة، أخذها للبيت، ثم ذهب يسأل عن رجل وامرأة يغسلان الموتى حتى أصاب بيتهما، دعاهما على وجه السرعة، أدخلهما بيته، أخبر المرأة بأن زوجته سوف تموت بعد قليل، ثم سحب الرجل من يده وقال له: عجل بغسلي، فاستغرب الرجل، ولكنه أدرك بأن هذا الرجل ممسوس بساحرات متحفزات لوحشة قصية، لن يقدر البيت على احتمالها، فرفع أزاره وشده على بطنه، وبدأ بغسل الرجل الذي كان قد فارق الحياة·
 
هذا أبوك يا عيسى،
 
تحمل اسمه المكتوب في اللوح المجيد،
 
له ما ذهب من الوقت، وما يأتي من الغيب·
 
هكذا ذهب بعيداً عنه، وهو في عامه العاشر، غادرا متخففين من أثقال الوحشة قرب سواحل تحاصرها جبال قصية، تقذف كل مساء بكائناتها في وجه الخلائق المسحورة بما وراء الأمواج، فيصعدان السفن محملين بعزلة تسبق الوحي والموت وتتماثل للجبال العمانية، وهي تبعث باطيافها الشاهقة لتنثال في مياه الخليج·
 
وقف بثقة العارف، تناول المعْوَل وبدأ يحفر· التفت إليّ يستعجلني فتركت أمَّ سُليمان تنجو بنفسها، وركضت إليه، يثقلني المِحْفَار فأجّره بين القبور غير مكترثة بهيبة المكان· طالعني ولم يتكلم، كنت أعرف ما لنظراته من معنى يجترح الكلام· النظرات التي دائماً ما تطمئنني بمكوثي اليومي معه وسط المقبرة، ونادراً ما كنت أرد عليه بابتسامة القبول التي يفرح حين يراها واضحة في تقاسيم وجهي· كان يريدني دائماً أن ابدو له ذلك الصَبِيِّ الذي يتمنى· صَبِيٌ دون شكل واضح، يرتدي ثوبه المتسخ ويحمل في جيبه فَخَّاً خشبياً لصيد الطيور· صَبِيٌ لا يخاف وحشة المكان، ولا ترهبه العظام التي تظهر أحياناً وهو يحفر القبور·

الصفحات