رواية "البرزخ، نجمة في شفر"؛ الصادرة عام 2000 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، للكاتب فريد رمضان؛ نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب البرزخ، نجمة في سفر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

البرزخ، نجمة في سفر
الصفحة رقم: 8
حين نزعت ثوبي،
كان جسدي الصغير مطرزاً بحبات التراب الصفراء التي وجدت لها مكاناً رخواً لتسكن فيه· فللتُ شعري، تركته ينزل فوق كتفي ويغطي شيئاً من ظهري، كنت خفيفة مثل رائحة لا يحدها شكل أو مصدر، أجتهد في تعليق ثيابي النظيفة فوق المسمار الذي وضعه لنا أبي كمشجب داخل الحمام· فتحت الحَنَفِيَّة، كان الماء دافئاً، أسكنت جسدي تحت هديره، ينزل عليّ خفيفاً وهانئاً، يحقق لي دعابة مثيرة، فأشعر أنني وريثة هذا الماء الرحيم الذي يعزلني عن المهام التي أؤديها يومياً مع أبي·
أُمرر يدي على جسدي لأساعد هذا الرخو على إبعاد ما تبقى من تراب عالق به، أُلامس نهديّ، أرى الحلمتين النافرتين بلونهما الوردي الداكن، فأستثير مواقع أخرى منه، أتمادى في ملامسة فخذيّ وتحسس ذلك الزغب المثير، الذي نبت مؤخراً· لم يكن جسدي هكذا حتى عهد قريب، في الشهر القادم سأبلغ الثالثة عشرة· فجأة أحسست بهذه التغيرات، وهي تجتاح جسدي، وكأنني كنت في نوم ثم يقظة، ثم اكتشاف لجسد غير متسامح مع نفسه، جسد مسحوب من طفولة ناعمة إلى مواقع عميقة تقترب في فضح أبعادها الخاصة، بعد هذا النوم الذي يغير الأجساد أمرتني أمي بعدم اللعب مع أبناء قريتنا لأنني كما تقول قد دخلت أبواباً لا أعرف أصحابها، وينبغي عليّ أن أكون أكثر اتزاناً في مشيتي، وأقدر على معرفة الآخرين الذين أجهلهم، والذين يهبطون علينا مثل ليل طويل، مخيفون، ويحملون بين جوانبهم حكايات غريبة تملأنا بالتوتّر الذي لا ينتهي حتى يبتعدوا·
في الشهر القادم سأبلغ الثالثة عشرة، ويداي مازالتا في التراب، أحفر لبشرٍ لا أعرفهم ولايعرفونني، أختبر أجسادهم من حديث أبي ومن وصف أمي وهي تحكي عن الموتى من النساء اللاتي تقوم بغسلهن مع صديقتها شريفة· لم أعرف لحياتي وظيفة أخرى غير أن أشارك أبي في ذهابه اليومي إلى مقبرة المحرق، يشاركنا أحياناً جاسم، ابن شريفة· نراقب الطيور، نتحين صيدها بفخاخنا الخشبية· أو في عزلتي وحيدة بين قبور ساكنة دون حراك· حنيني إلى حاجة أجهلها تزداد ضراوة وأنا أراقب نموّي، نظرات أبي، همسات أمي، عيون أبناء قريتنا، وخاصة جاسم· هل أبدو مخيفة إلى هذا الحد، أم أن ثمة أشياء أخرى لا أراها·
الماء ينزل على جسدي·