رواية "البرزخ، نجمة في شفر"؛ الصادرة عام 2000 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، للكاتب فريد رمضان؛ نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب البرزخ، نجمة في سفر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

البرزخ، نجمة في سفر
الصفحة رقم: 7
- وكيف مات ؟
- المرض ياسارة هو القادر على ذبح أقوى الرجال، يضرب القلب، فيعجز الجسد عن مقاومته·
- وماذا أصابه؟
- احفري ·· لقد جُذِم الرجل ياسارة ، بدأ بكتفه فتجاهله، انتشر في أطرافه ثم أكل جسمه كله· جاءت له سيارة المستشفى الامريكي ، أخذوه عندهم وحجروا عليه كي لا يُعدي الآخرين· زوجته التي تذهب إليه قالت بإنها كانت تسمع صوته وهي خارج أسوار المستشفى، لم يدعونها إلى زيارته، كان يواصل صراخه الذي يشبه العويل، يحاول استدراج الحياة· لكنها خانته فمات، يتقاسمه الألم والذعر· سوف تأتي به سيارة المستشفى وتلقيه في الحفرة خوفاً من العدوى·
الشمس تنهب من التراب رائحة العرق الغزير الذي يتساقط من جبهة أبي، ونحن جالسَين ننظر بدهشه إلى عمال المستشفى الأمريكي وهم يدفنون الرجل الذي انتهينا من إعداد قبره· حين أنهوا مهمتهم السريعة القوا التحية على أبي وأسرعوا إلى سيارتهم وغادروا الموقع فحملنا معاولنا وأغراضنا وسرنا عائدين إلى البيت·
في طريق عودتنا لم نتبادل الحديث، كنت أشعر برأسي خفيفاً يتحرك في كل الاتجاهات، يتحرك مع أنفاسي المتعبة التي لا استطيع أن أمسك بها إلا حين أتكئ بثقلي على المْعَول وأزفر بعضاً من تعبي· يطالعني أبي دون أن يقول شيئاً سوى أن يدندن بأغنية على غير عادته، لم يكن مهموماً أومخنوقاً من رائحة المقبرة، كان منتشياً على غير عادته· أمشي خلفه وأعد خطواته السريعة، أعد وأحصي كم من الوقت يجب أن يقضيه هذا الرجل في دفن هذا العدد الهائل من البشر القاطنين في المحرق، أهي خطيئته أم خطيئة جدي الخال الذي ألقى بنا بين تراب أصفر وغبرة الموت التي تحاصرنا كل نهار، كل نهار·
دخلنا البيت، كانت أمي تهم بالخروج من الحمام مبللة، تحمل أختي مريم التي بلغت الرابعة من عمرها· ألقيت بالمعول عند مدخل البيت، حيث وضع أبي بقية العّدة· اتجهت نحو غرفتي، وأنا أحمل شعوراً بالنجاسة بسبب التراب العالق بجسدي، من غرفة أبي كان الراديو يذيع أغنية تقول كلماتها:
شربت الكأس من مبسم حبيبي
ولا ظنيت أنا بالكأس باسكر
يلوموني ولايدرون مابي
والله أنا ما سويت منكر***
_______________________
*** اغنية شعبية للفنان البحريني يوسف فوني
** مطرح: مدينة ساحلية في عُمان
* أمُّ سليمان: نوع من أنواع السحالي·