أنت هنا

قراءة كتاب تخت شرقي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تخت شرقي

تخت شرقي

في المجموعة الشعرية "تخت شرقي"؛ وجدتني أرتمي على الأرض المعشوشبة تحت شجرة الحور الباسقة، ملقياً بأثقالي تحت ظلالها، وقد تلاشت أصابع شغفي الناشبة في المحيط، بعيداً عن رفاقي اللاهين في جهة أخرى من نهر الجوز· غير أن حركتي المتراخية، ما أن استلقيت إلى جانب الجذ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
فاقد الذاكرة قيد العمل
 
يتنازعني في كلامي هذا قول ينسب القصيدة إلى لحظة (أو حالة وغيرها)، وإن تتحقق في كتابة أو تدوين وحسب، وقول آخر ينسب القصيدة إلى الكتابة وشروطها التأليفية: وأحد القولين، الثاني، أتحقق منه، بل أسلم به، مثلما حدث لي غير مرة، إذ أقبلتُ على القصيدة من دون استعداد، وإذا بي أجد في البحث عنها ما أثبته في قصيدة، أو ما أحتفظ به لقصيدة تأتي، أو ما يبقى قيد الانتظار· وهو إقبال أراه قريباً من الإقبال على الحياة نفسها، حيث أن فتح الشهية من دون دعوة قد يبسط مآدب التذاذ لمدعوين غامضين ومغامرين، وقد تنقضي اللذة بالانتهاء منها، ويخرج الشاعر من القصيدة خروج الكاشف عن كنز من دون خريطة، وإن اتبع طرق المكتشفين في التنقيب عنه والعناية به لإخراجه من عتمته إلى جلاء العيون المنتظرة·
ويتنازعني في كلامي عن القصيدة كذلك قول (بل فعل) آخر، هو كونها حالة قد تتعين (أو لا) في ألفاظ، وقد تتعين من دون أن تستنفد طاقة الرغبة بها، وتكون القصيدة في ذلك أشبه بفعل خارق من حروف غير مادية، مثل برق ينيرنا بما يكفي للمحٍٍ ولكن عامر بالصور، أو أشبه بصدفة ساحرة ذات تدبير خفي، ويكون الشاعر في ذلك غافلاً غفلة الأنبياء اللاهين في شواغل أخرى حين تستبد بأصواتهم وتتلجلج في حناجرهم أقوال تسبقهم إلى التلفظ·
يقول نيتشه: تبلغنا (الأصوات)، ولا نبحث عنها؛ نأخذ منها، ولا نسأل عن هوية الواهب· مثل برق، تنبثق الفكرة فجأة، وفق ضرورة مطلقة، من دون تردد أو بحث· وما كان علي القيام بأي اختيار أبداً· لم أكن على دراية بهذا القول حين سعيت في وقت ما (1982)، إلى كتابة أطلقت عليها تسمية الشعر قابلية جسدية، وقصدت منها أن أقول: الجسد يتيح الشعر لبعضهم، ولا لغيرهم، وفق استعدادات ونزوعات لا يمكن التحكم بها، كما لو أن الشعر فعلٌ يقع ما قبل الوعي، أشبه بالعبقرية المحض، وفق نزوعات باطنية لا يدركها حتى الشاعر نفسه·
كان سؤال الشعر يشغلني، في صنعه، في كونه، في أنه ممتنع على التعريف طالما أن رامبو أقفل كتابه إلى غير رجعة وهو في السابعة عشرة من عمره· لهذا لا يبدو قول نيتشه غريباً لي، بل يوافق شيئاً في نفسي، وهو الصورة التي أرتئيها، أو آمل بها للشعر؛ وهي صورة تجمع في ناتجها، أي عند تلقيها، بين العفوية والضرورة في آن: أن يكون الشعر، بل القصيدة، جسماً له رخاوة الطازج ونداوته، وله قوة آسرة في حضوره، سواء على الشاعر أو على القارىء (والناقد طبعاً)، فلا نقوى على زيادة أو حذف فيه، مثل مخلوق طبيعي له أسرار حكمته الخافية في بنائه· ألهذا يحلو لي تسمية القصيدة بالبلورة، أي التي لا نقوى على الإمساك بها، بل على النظر إليها من زوايا عديدة، ومنها النظر السابر لها من ناحية إلى أخرى؟ ألهذا أيضاً أنسب القصيدة إلى ما تعينه العربية في التخويض، التخويض في الشكل - المعنى؟ أهذا ما يجعلنا نقبل على القصيدة وفق خط غير تتابعي في الزمن، لصالح تتبع آخر، يبدأ بلحظة زمنية إلا أنه لا يتعقبها بل يراوح فيها، أو يداور عليها، ولا يلبث أن يلتم التماماً مبرماً على ما استجمعه في القصيدة؟

الصفحات