أنت هنا

قراءة كتاب تخت شرقي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تخت شرقي

تخت شرقي

في المجموعة الشعرية "تخت شرقي"؛ وجدتني أرتمي على الأرض المعشوشبة تحت شجرة الحور الباسقة، ملقياً بأثقالي تحت ظلالها، وقد تلاشت أصابع شغفي الناشبة في المحيط، بعيداً عن رفاقي اللاهين في جهة أخرى من نهر الجوز· غير أن حركتي المتراخية، ما أن استلقيت إلى جانب الجذ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
ذلك أنني أستسيغ علاقة بالكتابة تدفع الكلمات دفعاً، كمن يطحن اعتقاداً، أو يستخرج صدفة غارقة في اللجج· وأريد للشعر أن يباشر الكلام من غير سابق معرفة، وإلا كيف لنا أن نبتهج بالقصيدة، وتبدو لنا جديدة (في لغتها، كما نقول)، وهي إعادة توزيع لألفاظ معروفة، ومتروكة في برودة القواميس والاستعمال: دفعُ الألفاظ كمن يعبث بوبر اللغة، أو بدثارها الدافىء· دفعُها العنيف، مثل جسد يستعيد قواه، حريته، بعد طول ركاد، كمن يجلوه، أو يسويه من جديد· دفعٌ ينقاد فيه الكلام إلى أن يقول ما لم يكن في حسبانه أو اعتياده، وإقبال الكلام على انحناءات في المعاني لم يعهدها، أو لم يقصدها بالضرورة··· والقصيدة في ذلك ازدواج، يجعلها لها وللشاعر، لها ولغير الشاعر؛ ازدواج تثنية بل تكثير، له في الحياة نقاط تثبِّت الحروف·
والرغبة بالقصيدة هي أن يقول الشعر لحظات، أحاسيس، وصوراً، تتعدى العلاقة الخارجية، البرانية، المتعاهد عليها، لقول شيء يقع في التجربة، في الاحتكاك، في ألفاظ الحركة، ونزوعات الجملة· ولها أن تقول، في مثل هذه الأحوال، تقلبات العيش، ومنها مباهجها، طالما أننا لا نحسن قول غير الحزين، كما لو أن اللذة محرمة، ممنوعة، لا تصلح لإنشاد، أو لغناء، أو لمعايشة·
وهي قول الإنساني، الخصوصي، في حيز يتم تحريره بالضربات الملحاحة والحنونة، في تلك الدينامية الحيوية التي يتم إشعالها والاحتماء بها في آن، في مجال الحميمية المنتزع والمحرِّر والمحرَّر من إكراهات الجماعة والقمع·
حيث للجسد أن يروي في عيشه التلذذي وحركاته، أي في حياته الداخلية، غير سيرة الجماعة في سلوكاتها وتصرفاتها وممنوعاتها، أي في حياتها العلنية···
حيث للحداثة أن لا تكون تعبيراً توكيدياً عن الأنا، إذ أن توكيداً كهذا لا يتأتى من التجربة، من مكابدات الكلام، بل من الرغبة بسطوة الكلام، بأثر الكلام على متلقيه؛ بل أن تكون تعبيراً يشي بهشاشة وخفة وشفافية ورقة هي أعراض متكلم متعدد الأصوات، طالما أنه، في وجوده وقوله، يعايش في الجسد الواحد أطيافاً، ولشهواته وتهويماته صورٌ وخطابات متعايشة ومتخالطة···
حيث للحداثة أن تمتحن قدرتها على التعيين في قول متردد ومتعثر، وإلا فإن وضوح الخطاب واتساقه يعنيان أو يرمزان بالضرورة إلى الخطاب الساري، المتتابع، إلى ما يتلى في أفواه الجماعة، وتتلفظه ليس إلا···
حيث أن القصيدة هي الرغبة، الرغبة في التحقق، الرغبة بالقصيدة، وما يجدد الرغبة بمرانها؛ وهي استنفار له جيش غير معلوم القوة قد يؤدي إلى تأجيل؛ حيث أن الشاعر صياد في ماء الصدفة، في توقعٍ، له من تشهيه صنارةٌ: رُبَّ شاردة تجد نفسها في نهاية المطاف· والرغبة بالشعر تفيض عن حاجته أو تمتنع عليه، إلا أنها لا تنقضي بل تغور، وقد لا تنبجس من جديد· والرغبة بالقصيدة، أو ارتغابها، سبيل يفضي إليها من دون أن يقصدها، أو يبلغها من دون أن ينتهي فيها·
المنصورية، 3 - 1999/12/11

الصفحات