أنت هنا

قراءة كتاب تخت شرقي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تخت شرقي

تخت شرقي

في المجموعة الشعرية "تخت شرقي"؛ وجدتني أرتمي على الأرض المعشوشبة تحت شجرة الحور الباسقة، ملقياً بأثقالي تحت ظلالها، وقد تلاشت أصابع شغفي الناشبة في المحيط، بعيداً عن رفاقي اللاهين في جهة أخرى من نهر الجوز· غير أن حركتي المتراخية، ما أن استلقيت إلى جانب الجذ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
بدء ملحوق
 
لا يمكننا تعريف القصيدة، لكننا نتعرف عليها: في صعوبتها العصية على التعريف، في زوغانها عن أي تحديد· هذا يصح في ما قيل عن القصيدة الحديثة، كما في القصيدة القديمة: فما يعني القول أنها كلام موزون مقفى يدل على معنى؟ تعريف شكلاني، براني، يتحدث عن القالب أكثر مما يتحدث عن الشعر·
كنت قد توصلت في كتابي الشعرية العربية الحديثة (1988) إلى القول بأن للشعر القديم شكلاً هندسياً، يؤدي بالقصيدة إلى أن تكون مربعة في ما ندر، ومستطيلة في صورة طولية في الغالب، ما يساعد في التعرف عليها حتى من غير دارسي الشعر، أو من العرب كذلك· وهو تعريف براني كذلك، وساعدني تشكيلياً في التمييز بين القصيدة وغيرها من النصوص في العربية، ولكن ألا يمكننا التمييز بين هذه المدونات في العربية وفق ضوابط أخرى؟
بلى، لو عدنا إلى أقوال عربية قديمة في الشعر، مثل تمييزها بين الكذب وغيره· فالشعر يَقبل الكذب، ولا يقبله غيره، عدا أن الكذب مستملح في الشعر· يقول ابن قتيبة: لو كان المجاز كذباً لكان أكثر كلامنا باطلاً، فيما يجعل ابن رشيق الكذب غير معيب في الشعر وحده· كما يؤكد الناقد القيرواني كذلك أن المجاز أبلغ من الحقيقة، بل جعله، هو وعدد آخر من النقاد والبلاغيين، باباً يندرج تحته التشبيه والكناية والاستعارة، وهي - أي الاستعارة - أفضل المجاز·
فلو قرأتَ لشاعر ابتلع الشمس لصدقته، فيما لن تصدق ذلك حتى في رواية علمية - خرافية، وهي رواية تعتمد، في مجالات الغرابة والاختلاق التام، على مواد وأدوات واقعية لتصديقها· تبقى النصوص كلها تحتاج إلى بنية تصديقية، إمكانية، لها سند في العقل والمنطق والثقافة المعروفة لدى الإنسان، أما الشعر فيجيز لنفسه تماماً ما لا يجيزه غيره لنفسه: للقصيدة وحدها حق التجوال الحر وغير المناسب في ما جرى قبوله والتعاهد عليه، سواء في ثقافاتنا أو في اعتياداتنا أو في مضمراتنا وظنوننا·
وهو ما تقوله دلالات لفظ جاز القاموسية (ومنها اجتاز كذلك) إذ تشير إلى الانتقال والعبور من جهة إلى أخرى، وهو ما لا تقوى عليه المدونات غير الشعرية التي تبقى في جهة واحدة، وتستعير - ليس إلا - مواد من الضفة الأخرى· فيما نلقى الشعر يتجول، بسرعة وجدل وإحكام مبرم ومتجدد، بين الضفاف، والأزمنة، والثقافات، واللحظات، واجداً فيها كلها مادة لقول فردي، تملكي، يجيز قول ما لا يقال، ويجمع ما لا يجمع، على أن في ذلك كله بنية تصديقية مخصوصة·

الصفحات