في المجموعة الشعرية "تخت شرقي"؛ وجدتني أرتمي على الأرض المعشوشبة تحت شجرة الحور الباسقة، ملقياً بأثقالي تحت ظلالها، وقد تلاشت أصابع شغفي الناشبة في المحيط، بعيداً عن رفاقي اللاهين في جهة أخرى من نهر الجوز· غير أن حركتي المتراخية، ما أن استلقيت إلى جانب الجذ
أنت هنا
قراءة كتاب تخت شرقي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
ما همني!
يقودني الأعمى إلى بيتي!
لا أجد صورة أنسب للشاعر من صورة الأعمى - المشاء الأعمى· يمشي من دون أن يرى، ويقرأ مغمض العينين· لا يعرف الشاعر مثل هذه السهولة، إلا أنه، مثل الأعمى، يتحسس الشيء من دون أن يراه، يهجس به من دون أن يتبينه، يتلمسه من دون أن يعرفه بالضرورة؛ مسبوقاً بطاقته، يكتشف الشاعر طريقه بعد أن يبلغ نهايتها، من دون أن يحسن قياس المسافات المختصرة (···)· المروبص يعود سليماً إلى فراشه، لا الشاعر؛ ومن دون زاد، لا (الشاعر) ··· (ص 6)·
ويحلو لي، اليوم، أن أطلق على الشاعر تشبيه فاقد الذاكرة، إذ أن الشاعر يُقبل على القصيدة، أو يرتكبها بالأحرى مثل فاقد الذاكرة الذي يحتفظ بملكاته كلها في العمل، وهي ملكات التمييز والخبرة المتراكمة والتدبير عند الإنسان، ولكن من دون أن يتعرف سلفاً على قابلياته، أو مهاراته، أو إلحاحاته على المعاني والصور والرموز: يدركها بعد وقت، بعد حصولها، على أنها منه، من تدبير قواه، ولكن من دون أن يحسن التجوال فيها مثل عامل في مصنوعاته·
وهي صور مختلفة لتعيين واحد، للشاعر، وأريد منه الحديث عن هذا الجمع الساحر والمحير في آن، في القصيدة: فهي تلقائية في ظاهرها النهائي على الأقل، وثقيلة بحمولاتها وتشابكاتها في آن؛ جسيمة ولها نبر الأغنية؛ بهيجة وإن تتحدث عن غمامة اليتم، خفيفة وجهمة في آن· يمكننا مقاربة الشاعر، إذن، لا التعريف به، فهل يمكننا تعريف القصيدة، الحديثة خصوصاً؟