أنت هنا

قراءة كتاب تخت شرقي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تخت شرقي

تخت شرقي

في المجموعة الشعرية "تخت شرقي"؛ وجدتني أرتمي على الأرض المعشوشبة تحت شجرة الحور الباسقة، ملقياً بأثقالي تحت ظلالها، وقد تلاشت أصابع شغفي الناشبة في المحيط، بعيداً عن رفاقي اللاهين في جهة أخرى من نهر الجوز· غير أن حركتي المتراخية، ما أن استلقيت إلى جانب الجذ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
والقصيدة جهمة، صلدة، لا تُرد· تمثل مثل قوة قاهرة، على الرغم من أنها تصبو إلى استثارة انفعالية ليس إلا، متبوعة ربما بتأمل، يجري ولكن خبط عشواء من دون خريطة معبدة، أشبه بالتجوال في دورات المعاني والظنون· هكذا أطلقت على الشاعر، ذات مرة، تسمية المروبص، بعد أن راعتني صورة هذا منذ صباي، إذ حدثني رفاقي عن زميل لنا في المدرسة الداخلية يمشي ليلاً: رأيته يمشي على حافة عالية لا يقوى حتى على الاقتراب منها نهاراً، أو يَقِظاً، ولكن بتصميم يحسده عليه كبار القادة العسكريين·
وأطلقت على الشاعر في وقت آخر تشبيه الحالم، ولكن في تباين مع الشاعر بول إيلوار الذي يعود إليه هذا القول: لا يمكننا الخلط بين سيرة الحلم والقصيدة· كلاهما واقعة حية طبعاً، غير أن الأول منهما ذكرى، قيد الاستعمال مباشرة، متحولة، مغامرة، فيما تمثل الثانية من دون فقدان (أي شيء منها)، ولا تبديل· يعاين إيلوار الشاعر والحالم بعد خروجهما، لا قبل دخولهما، ولا أثناء جريان العمل·
وهي عمليات متعددة، فيها تشاركات وتباينات بين الصنيعين: فالداخل إلى الحلم غير الداخل إلى القصيدة، إذ يتحقق القصد في القصيدة - والقصيدة تقليب للقصدية -، وينعدم في الحلم (إلا أذا وضعنا ترتيباً محكماً ومدبراً للحلم فوق خشبة اللاوعي)· أما عن عمليات الحلم والقصيدة فهناك تقاربات وتشابهات بينها تتصل بالتكثيف والترميز والإزاحة وعمليات الجمع المحيِّر والمبرَم بين مواد غير مجموعة فيما سبق، لا في جاري العادات الإنسانية، ولا في السلوك الفردي عند الحالم أو الشاعر· كما يختلف الشاعر في خروجه من القصيدة عن خروج الحالم من حلمه، إذ أن سيرة الحلم تختلف عن بناء القصيدة: فللحلم مبنى خصوصي في ظن الحالم وذاكرته، لكن هذا المبنى قابل للإنشاء في صور مختلفة ما أن يخرج إلى التدوين، سواء في صيغ شفوية أو كتابية، وتتباين بالضرورة عمليات تدوينه، فكيف عمليات تفسيره!
الحلم قيد الكتابة، إذن، والقصيدة كذلك، وما يمثل به الحلم (في أشكال تدوينه وتفسيره كذلك)، أو القصيدة، لا يعدو كونه حاصلاً نصياً (من بين جملة اختيارات وعروض نصية متعددة) جرى تثبيته وإقراره في صورة شرعية على أنه النص·
وكنت قد كتبت مرة عن الشاعر بوصفه الأعمى (دم أسود، 1989): يثيرني، لا بل يبهرني، حتى اليوم، مشهد الأعمى في مترو باريس: يتنقل وحده بصحبة عصاه البيضاء، التي لا يلبث أن يطويها ويخفيها في جيبه، صاعداً، نازلاً، فوق سلالم كهربائية أو حجرية، في سراديب عديدة وطويلة، في حشود تتبادل نظرات التجاهل، من دون أن يقع، أو يخطىء، بدقة وإتقان، في صورة يومية، من البيت إلى العمل، وبالعكس؛ حتى أنني كتبت ذات يوم:

الصفحات