رواية "زينب وماري وياسمين" الصادرة عام 2012 للروائية العراقية ميسلون هادي، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجواء الرواية:
أنت هنا
قراءة كتاب زينب وماري وياسمين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
زينب وماري وياسمين
الصفحة رقم: 4
المرآة أخذت مني وردتي الوحيدة في الصباح وأعطتني ربطة بيضاء اللون تشبه فوطة بيبي صبيحة، التي تتدلى من تحتها ضفيرتان رفيعتان··· الوردة كانت برتقالية، وتقف عليها فراشة فيها نقاط فضية اللون تلمع عندما ألتفت فجأة وأنظر إليها· أمي تسميها القراصة البرتقالية، وبصعوبة كنت أفهم وقتئذ لماذا هي برتقالية وما علاقتها بالبرتقال، مثلما كنت لا أفهم لماذا تسمي المنضدة ذات المرآة في غرفتها بميز التواليت··· طلبتْ مني ذات يوم أن أجيء لها بفرشاة الشعر من هناك، فذهبت إلى الحمام وبقيت أبحث هناك عن الفرشاة·· أليس التواليت في بيت صديقتي تبارك هو الحمام؟ فكيف تكون منضدة الزينة هي ميز التواليت كما أخبرتني أمي بعد ذلك؟·· جاء الآن دوري لكي تبحث لي هي عن ميز تواليت جديد اشتروه لي بمناسبة ارتداء الحجاب· أول ما رأيته في مرآة ذلك الميز، هو القراصة البرتقالية التي اشترتها لي أمي من مكتبة الحصن لبيع القرطاسية واللوازم المدرسية· لم تعد موجودة في شعري وبدت من مكانها على ميز التواليت متكررة على شكل خط مستقيم من الفراشات ينعكس في عمق المرآة ذات الجناحين وإذا ما تحركَ جناح المرآة الأيمن فإنه يجعلني أبدو أنا أيضاً كصف طويل من البنات·· حاولتُ عد البنات، فلم استطع لأن الصف كان يمتد إلى ما لانهاية·
مِيز العروس·· ذلك هو ما نظرتُ اليه قبل أن أخرج من الغرفة·· وعلى رحلتي في المدرسة نمت ذلك اليوم للمرة الأولى في حياتي·· نمت طوال درس الحساب· وعندما استيقظت كانت الربطة قد انزلقت من رأسي وتكومت على الأرض· استغربت كيف لم يوقظني أحد·· وأين كانت المعلمة تقف؟ ألم تلاحظ نومي على الرحلة؟ فكيف لم تنبهني وتوبخني على النوم داخل الصف؟·· ولماذا نمت أصلاً وأنا التي تَبقى يدي مرفوعة طوال الدرس، ويكاد إصبعي يفقأ عين المعلمة ليسبق باقي أصابع البنات الشاطرات؟··· شيء غريب حدث ذلك اليوم الذي نعست فيه ثم نمت، لربما لم تتعرف عليّ المعلمة وأنا منكفئة على وجهي والربطة تغطي رأسي·· ربما ظنتني غائبة ذلك اليوم وظنت تلك الطالبة المنكفئة على الرحلة طالبة كسولة لا تستحق أن توقظها من النوم· بائع الفلافل أيضاً تصرف بشكل غريب وظل يتلفت وينظر إليها·· الجميع كان ينظر إلى تلك البنت النائمة·· خفت من سائق سيارة الشرطة ومن صاحب الدبابة وأبو الرشاشة ورجل البيكب الذي ينادي ويقول: غراض عتيقة للبيع·· كنتور عتيق للبيع·· صوبة عتيقة للبيع· داهمني إحساس بالنعاس منذ الصباح حتى عودتي إلى البيت، وعندما راح بائع الغاز يزمر بصوت عال للإعلان عن دخوله إلى الشارع خفت منه هو الآخر وأسرعت أمشي قرب الحائط· ظننت أنني أعترض طريقه أو أنّ ذلك الصوت العالي لبوق السيارة كان من أجل تنبيهي للخروج من الزقاق· صعدت على الرصيف فظل الصوت يعلو·· مشيت لصق الحائط وظل الصوت يعلو·· ولم أصدق نفسي عندما رأيت نفسي أخيراً قرب باب البيت·
تذكرت الحلم الأخير الذي حلمته قبل أن يقرع الجرس·· كم كان غريباً ذلك الحلم!·· الدنيا فيها تشبه ناصية الطريق، والدخول إلى تلك الدنيا يكون عن طريق المفتاح الذي استدار في القفل قبل أن تفتح الباب·· كنت أنا أقف قريبة من الباب المقفلة·· خلع الرجل الربطة عن رأسي، وراح يفك أزرار قميصي الأبيض، ولكن الأزرار كانت كثيرة العدد ولم تكن لتنتهي كما تنتهي عادة ازرار أي قميص··· رميت حقيبة المدرسة على الفراش وجلست أمام مرآة الميز الجديد فلم أعد أرى منذ ذلك اليوم سوى أزرار قميص لا تنتهي······
الرجل الجالس في أعلى النخلة لا زال يرمي الكثير من الأشياء إلى الأرض، والمطر لا زال يتساقط بنثيث خفيف يبلل أغصان الكالبتوس، ولكنه يسكن في مكانه هناك ولا تسقط منه سوى قطرات ماء قليلة على الأرض· مر صبيان ينظفان القبور من الغبار والأشواك مذكرين الزوار بدفع العيديات·· أحدهما أبيض والآخر أقل بياضاً· بيد الصبي الأبيض معزقة وبيد الأسمر قنينة ماء· راح الأبيض يقطع شجرة صغيرة ربانية طلعت من تلقاء نفسها قرب أحد القبور، وراح الأسمر يقرأ اسم خالي سليم الذي كان قد استشهد وعمره ثلاثة وعشرين عاماً·· ينظر له ويقرأ عمره ورتبته مع القاطع والكتيبة، حتى إذا وصل إلى خاتمة الشاهدة التي تقول إنه استشهد دفاعاً عن الوطن، انفعل وأطلق صيحة كصيحة الديك وقت الفجر·· عيعيعوووووووووو·
ماذا تفعلان؟ أنتما·· اذهبا من هنا·· ابتعدا عني·· هيا·· ضحك الاثنان وفرّا من أمام القبر، ثم ركضا بأثر امرأة هبطت من سيارة بيضاء وعرضا عليها كنس القبر الذي تتوجه إليه وتنظيفه من الأوراق المتساقطة والغبار·· وماذا؟ قالت المرأة الطويلة جداً فأجابها أحدهم: ومن الطرطيع··