أنت هنا

قراءة كتاب زينب وماري وياسمين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
زينب وماري وياسمين

زينب وماري وياسمين

رواية "زينب وماري وياسمين" الصادرة عام 2012 للروائية العراقية ميسلون هادي، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجواء الرواية:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
لو كانت آلاء موجودة لرقصت وغنت لوجود كل تلك الألعاب الجديدة التي جاءنا بها الجندي الأمريكي، والتي لا تعود للموتى كقلادة أم نبيلة، ولكن كيف تكون موجودة وقد احترقت على السلم منذ سنين مشتعلة من القاع للأعلى، وصديقتي الأخرى تبارك هي التي رفعت يدها إلى الأعلى وتحدثت مع الجندي الأمريكي وقالت له إنها تعرف أغاني فرقة أمريكية لفظت اسمها بالإنكليزي، فامتلأ الأمريكي دهشة لهذا الخبر المثير، وبدا بكل عدته وملابسه الثقيلة مستعداً للتخفي خلف ابتسامة عريضة من أجل التخفيف عن معاناتنا كما قال· نظرت إلى يد تبارك طويلاً ثم إلى يدي··· وعندما صفقنا له ونحن نضحك من شدة الانفعال، جاءنا جندي أمريكي آخر بيده ألعاب كثيرة وهدايا أشكالاً وألواناً·· كانت الألعاب عبارة عن كرتونات مغلقة مرسوم عليها كومبيوترات صغيرة الحجم مهداة من الجيش إلى المدرسة· ظلت منطبقة على نفسها في غرفة المعاونة ثم اختفت في مسابقة أقامتها المدرسة عن أسماء الخلفاء الراشدين فازت فيها طيبة ابنة المديرة ومجموعة من بنات المدرسات· أعتقد بأني وجدت شيئاً هنا·· هناك عقرب قرب قنينة الماء·
 
طلبت منا المدرسة، بعد أن خرج الجنود، أن نروي قصة عن الأمريكان، وأن لا نخاف ونقول ما نريد عن الأمريكان·· قصة عن الأمريكان؟ ماذا نكتب؟ وتضحك البنات·· واحدة قالت إن بيت خالها احترق ولما أطفؤوا النيران اكتشفوا أن الشيء الوحيد الذي لم يحترق هو ورقة مئة دولار أمريكي·· ازداد الضحك·· ولكني لم أضحك لأني كنت أفكر ماذا أكتب وكيف أبدأ الموضوع أو كيف أنهيه؟ الممحاة تصغر لحظة بعد أخرى والقلم يقصر·· انتظرت حتى آخر الدرس·· في النهاية كتبت لها إن الأمريكي جاء والثقوب في أذنيه ليفتش بيتنا فأكله الذباب· جاء في الطريق الطويلة التي انتهت إلى صحراء مخيفة، فمات من الجوع والعطش وأكله الذباب· تبارك عرفت أحسن مني وكتبت أن أمها قد دعت طاقم الدبابة إلى الغداء، وأن أحدهم قد لاعب قطتها زوزو وسأل عن اسمها··· كما طلبوا من تارا، التي كانت طالبة في الكلية الطبية، أن تعمل معهم في الترجمة، فقبلت وفرحت وظلت تعمل معهم عدة أشهر ثم تركت العمل بعد أن جاءها تهديد بالقتل··
 
حدث ذلك كله قبل أيام قليلة جداً من فحص الدم، حينما طأطات يدي لصق الحائط بوضع مريح، فربطَتْها الممرضة برباط مطاطي شدّته على زندي بقوة ثم عقدته على شكل أذنين جعلتاني أشعر بضغط شديد في ساعدي وفراغ ينتفخ في رأسي···· نظفت الممرضة مكان الزرق بقطنة باردة منقوعة بالكحول ثم فردت يدي اليمنى بحيث تكون راحتها مبسوطة للأعلى·· ضربت بتربيتات متلاحقة قرب الرباط وطلبت مني إغلاق قبضة يدي بقوة لكي تحدد مكان الوريد·· ودون أن أنظر إليها شعرت بأنها تدخل سن الإبرة برفق في الوريد المنتفخ وتسحب مقبض الحقنة فيجري دمي إليها·· بقيتُ مغمضةَ العينين أفكر بساق سائق العربة المدماة إلى أن فكت الرباط وفتحت قبضتي، فوجدت الحقنة قد امتلأت بالدم· شعرت بأن وجهي قد أصبح أصفر مثل النومية(ü) ورجلي مرتخية مثل الخيوط، ولكني استطعت النظر إلى الممرضة خطفاً فرأيتها وهي تفرغ الدم في أنبوبة صغيرة كتبتْ عليها اسمي فوق لاصقة طبية، ووضعتها على مكان سحب العينة· استغرقت عملية أمي الليل بأكمله· وفي صالة الانتظار جلس أبي وحده يدخن·· بينما خرجتُ أنا من هناك ابنةَ رجلٍ آخر وأمٍّ أخرى، والفاصلة بين الاثنتين كانت لحظة واحدة وقطرة دم واحدة ونغزة إبرة واحدة جعلتنا نحن الثلاثة، بعد يوم واحد، غرباء عن بعضنا البعض· لم يتفوه أبي بكلمة بعد يوم من فحص الدم، وأصبحتْ أمي تنظر في وجهي كثيراً ثم تكثر من التقاط كيس البول فيطفر صرصر فاتح اللون من خلف الكيس ويسير بسرعة على حافة النافذة، قبل أن يستدير ويختفي بين الأدراج مرة أخرى·

الصفحات