أنت هنا

قراءة كتاب الرفيقان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الرفيقان

الرفيقان

منذُ ولادتِيَ وأوائلِ سنينِ طفولتِيَ كانَ أكثرُ الأسئلةِ تَحييراً وإحراجاً لِيَ هو ما اسْمِيَ وأصْلِيَ، أيْ اسْمُ قبيلتِيَ.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 8
تَجمّعتْ العائلةُ لتناولِ طعامِ الفطورِ والذي في معظمهِ خبزٌ بلديٌّ ساخنٌ وزعترٌ وحليبٌ وبيضُ دجاجٍ بلديٍّ من الدجاجِ الذي يُرَبّى في البيتِ. خلالَ تناولِ الأكلِ دارَ نقاشٌ حادٌّ بينَ الأولادِ، وبصفةٍ خاصةٍ بينَ حمد من جهةٍ وبينَ أخيهِ الكبيرِ جاسر من جهةٍ أخرى.
 
حمد: ألا تَخافُ ربَّكَ لتتركَ ذلكَ المسكينَ في البردِ والمطرِ وتُعَرِّضَهُ بذلكَ لأنيابِ الحيواناتِ المفترسةِ؟. ألا توجدُ في قلبِكَ رحْمةٌ؟، لا شفقةً ولا إنسانيةً من عندكَ يا رجلاً!.
 
جاسر: وماذا تريدُني أنْ أفعلَ؟. هل أهلُكُ وبقيةُ القطيعِ من أجلهِ؟. ماذا لو تركتُ البقراتِ الثلاثِ تَهيمُ على رؤوسِها في البراري؟... ومن يَجمعُها لنا فيما بعدُ؟.
 
حمد: كان الأجدرُ بكَ لو أبقيتَ على أمِّهِ "راكلي" في البيتِ بدلاً من الذهابِ معكَ إلى البراري، لو كان لديْكَ أدنى إدراكٍ!.
 
جاسر: لقد كانتْ أمُّهُ جائعةً أيضاً وكان عليَّ أنْ أذهبَ بِها مع القطيعِ جَميعاً إلى المراعي. ثُمَّ ماذا كان يُمكنُ حدوثُهُ أحسنَ مِمّا حدثَ؟. هل لدينا في الجيرةِ هنا قسمٌ خاصٌّ للتوليدِ والجراحةِ الخاصّةِ بِها؟!. أرجو أنْ تستعملَ عقلَكَ ولوْ قليلاً.
 
حمد: هذا لا يغفرُ لكَ أنْ تتركَ فلذةَ كبدِها في البراري، هذه المخلوقةُ التي تَخدمُنا ليلَ نَهارَ، تراعينا وتتحمّلُنا وتقضي لَنا معظمَ حوائجِنا. قلْ لِيَ ماذا لو كان المولودُ عِجلاً أو سَخْلاً أو خروفاً أو حتى أرنباً، هل كنتَ فعلتَ بهِ هكذا فعلةً؟!.
 
جاسر: إنَّ قيمةَ هذا المولودِ لا تساوي خَمسةَ قروشٍ، ضعْ عقلَك في رأسِكَ!. لِماذا المقارنةُ أصلاً بينهُ وبين العِجلِ والسّخلِ والخروفِ والطفلِ والأرنبِ؟. نريدُ أنْ نعيشَ، أم تريدُنا أنْ نَركُنَ إلى معاشِكَ الشهريِّ أو مدخراتِكَ؟!.
 
حمد: إنَّ الخمسةَ قروشٍ التي تتحدثُ عنها لَهِيَ القيمةُ السّوقيةُ، ولكنَّكَ تتَجاهلُ القيمةَ العمليةَ والاقتصاديةَ والروحيةَ لهُ والتي هي أعلى من ذلكَ بكثيرٍ. هل بِمقدورِ أحدٍ منا القيامَ بِما يقدرُ على القيامِ بهِ عندما يكبرُ؟!. هذا الكائنُ أباً عن جدٍّ مهضومةٌ حقوقُهُ ومنكَرٌ عليهِ جَميلُهُ بسببِ جهلِ الجميعِ بهِ واستخفافِهمْ بكيانهِ. إنَّ المصروفَ الماديَّ والرعايةَ والجهدَ المصروفَ على العِجلِ حتى يصبحَ ثوراً للبيعِ تعادلُ أضعافَ سعرهِ في السّوقِ. في حينِ أنَّ المصروفَ الكليَّ على مَخلوقٍ من مثلِ المولودِ الجديدِ لا يكادُ يذكرُ، وبكلِّ المقاييسِ المَحلّيةِ والدوليةِ.
 
جاسر: لا يوجدُ عندِيَ من الكلامِ ما أضيفُهُ لكَ. أنصحُكَ أنْ تأخذَ بالكَ من نفسِكَ وتتركَ الأمورَ وشأنَها.
 
حمد: وأنصحُكَ أنْ ترحمَ الأمّهاتِ، الأمّهاتُ لَهُنَّ مشاعرٌ وعواطفٌ وأحاسيسٌ، وهنالك أمّهاتُ حيواناتٍ عندَهنَّ حنانُ الأمِّ أقوى من ذلكَ الموجودِ عندَ أمّهاتِ بني البشرِ. مشكلتُهُنَّ أنَّهنَّ لا يتكلّمنَ ولا يقرأنَ ولا يكتبنَ؛ ليسَ عندهُنَّ لا نقاباتِ عمالٍ ولا جَمعياتٍ حقوقيةٍ ولا وسائلَ إعلامٍ ولا مندوبينَ في البرلَماناتِ أو في مَجالسِ الوزراءِ.
 
جاسر: والآنَ وجدتَ لكَ وظيفةً وعملاً!. عليكَ أنْ تربِّيَها وتعلّمَها وترسلَها في بعثاتٍ دراسيةٍ إلى الخارجِ وترشِّحَها لشغلِ مناصبَ هامةٍ في الدولةِِ، وربَّما يصبحُ أحدُ رؤساءِ بلديةِ المدينةِ منْها مستقبلاً!. عسى اللهَ تعالى يعينُكَ على عقلِكَ ويعينُنا على الحياةِ معكَ!.
 
تدخَّلَ الوالدانِ أبو جاسر وأم جاسر بعدَ أنْ أيقنا أنَّ مواجهةً عنيفةً بينَ حمد وجاسر على وشكِ الحدوثِ وسطَ هذا الصّراعِ الذي كشَفَ فرْقَ نفسيةِ الاثنينِ اتّجاهَ مثلِ تلكَ القضايا.
 
أبو جاسر: ولِماذا يا جاسر! تستخفُّ بأفكارِ غيرِكَ حتى ولو يصغرُكَ سنّاً؟. أرى أنَّ معهُ كلَّ الحقِ في كلامهِ. ألا تذكرُ قصةَ ذلكَ الأعرابِيِّ البدويِّ الذي ساعدَ كلباً على وشكِ الموتِ عطشاً من شدةِ الحرِّ بأنْ جلبَ لهُ الماءَ من البئرِ مستعمِلاً حذاءَهُ كوعاءٍ لنقلِ الماءِ، فجزاهُ اللهُ خيرَ الجزاءِ بإدخالهِ الجنةِ؟!.

الصفحات