أنت هنا

قراءة كتاب الرفيقان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الرفيقان

الرفيقان

منذُ ولادتِيَ وأوائلِ سنينِ طفولتِيَ كانَ أكثرُ الأسئلةِ تَحييراً وإحراجاً لِيَ هو ما اسْمِيَ وأصْلِيَ، أيْ اسْمُ قبيلتِيَ.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 10
ما أنْ توغّلتْ "قافلةُ حمد" قليلاً داخلَ شوارعِ المدينةِ حتى فوجئَ حمد بعددٍ من الأولادِ الصّغارِ يقفونَ على طرفِ الشارعِ. رأى الأولادُ الصّغارُ أبوالزهو الصّغيرَ وأعجبَهُمْ شكلُهُ وبدؤوا بالتجمُّعِ حولَهُ في شكلٍ شبهِ دائريٍّ؛ ظنَّ حمد في البدايةِ أنَّهُمْ يريدونَ مداعبتَهُ بلطفٍ. بدأَ أحدُهُمْ بالمَسْكِ برأسهِ وآخرُ يشدُّهُ من رجلهِ وثالثٌ يُحاولُ الضغطَ على رقبتهِ. أحسَّ حمد بضغطٍ كبيرٍ داخلَ عروقِ دمهِ واندفعَ صوبَ الفتيةِ الصّغارِ لإبعادِهمْ عن أبوالزهو. وجاءَ اثنانِ أو ثلاثةٌ آخرونَ واتّحدوا جَميعاً مُحاولينَ ركْلَ أبوالزهو وضرْبَهُ على رأسهِ والقفزَ على ظهرهِ. صاحَ بِهمْ حمد جَميعاً أنْ يتركوا أبوالزهو وشأنَهُ حينَ لَمْ يَجدْ منهُمْ آذاناً صاغيةً. هاجَمَهُمْ بعصاهُ ووصلَ عددٌ آخرُ من الأولادِ وزادتْ حدّةُ الهجومِ على حمد وأبوالزهو. تَمكّنتْ المَجموعةُ الأولى من ضربِ أبوالزهو وتَمزيقِ شعرهِ وإحداثِ كسورٍ، ربّما، في منطقةٍ الحوضِ عندَهُ ونتفِ شعرِ جلدهِ. صارَ الدَّمُ يسيلُ من بعضِ جوانبِ جسمهِ. صاحَ بِهِمْ حمد من جديدٍ ومن تَحْتِ وطأةِ الهجومِ الجماعيِّ الشرسِ أنْ يا هؤلاءِ السّفلةَ أنْ يتركوهُمْ وشأنَهُمْ أو سيقطّعُهُمْ جَميعاً إرباً إرباً!. وكان يقفُ ليسَ ببعيدٍ عن أرضِ الاشتباكِ شخصٌ أقرعٌ أصلعٌ في أربعيناتِ عمرهِ؛ رجاهُ حمد وتوسّلَ إليهِ للتدخلِ لإنقاذِهمْ من الفتيةِ "الأشرارِ" فما كان منهُ إلا أنْ نظرَ إلى حمد ضاحكاً ومستهزئاً ساخراً!. بدأَ حمد من جديدٍ يَجمعُ ما تبقّى لديهِ من طاقةٍ مستعملاً الحجارةَ والعصا للدفاعِ عن نفسهِ وعن أبوالزهو. بعدَ حواليْ نصفِ ساعةٍ على بدءِ المعركةِ الشرسةِ تلكَ تَمكّنَ حمد من الإفلاتِ والهربِ بصحبةِ أبوالزهو و"راكلي" إلى مكانٍ آمنٍ قريبٍ مع خدوشٍ و"رتوشٍ!" دَمِّيّةٍ في الرأسِ والصّدرِ والوجهِ والأذرعِ .....
 
ذَهَبَتْ المَجموعةُ المكوّنةُ من "حمد وأبوالزهو وراكلي" مسارعينَ الخُطى بعيداً عن هؤلاءِ الصّبيةِ ومشوْا حواليْ نصفَ كيلومترٍ في شارعٍ جانبِيٍّ في ضاحيةِ المدينةِ بعيداً عن مركزِ المدينةِ قدْرَ الاستطاعةِ لتجنبِ الكثافةِ العاليةِ للبشرِ هناكَ. وبعدَ أنْ تأكَّدوا من زوالِ الخطرِ، وقفَ حمد وأبوالزهو على جانبِ الشارعِ يتفقّدونَ أجزاءَ أجسامِهمْ المصابةَ والسّالِمةَ!. دعا حمد الله مُخلصاً من قلبهِ وكافةِ حواسهِ لئنْ أنقذَ لهُ أبوالزهو من بطشِ المدينةِ وأولادِها ليقضينَّ طولَ العمرِ للهِ عابداً ومتعبداً وناسكاً وأنْ لا يعصِيَ والديْهِ أبداً مهما ستكونُ طلباتُهُما!.
 
بدأَ حمد المناداةَ على البيعِ من جديدٍ وبعدَ سيرِ مئةِ مترٍ تقريباً أطلَّتْ عليهِمْ، من شباكِ بنايةٍ في منطقةٍ مرتفعةٍ كثيراً فوقَ مستوى الشارعِ، امرأةٌ حسناءُ لطيفةُ المناداةِ عذبةُ الصّوتِ!. سألتْ عن البيعِ فأجابَ حمد أنّهُ يبيعُ الحليبَ واللّبنَ الرائبَ والبصلَ اليابسَ. قالتْ أنَّها تريدُ أنْ تشتريَ بقلولةَ لبنٍ رائبٍ فسألَها حمد عن السّبيلِ إلى بابِ بيتِها فأشارتْ عليهِ إلى مطلعِ درجٍ يبدأُ بالشارعِ وينتهي في منتصفِ المرتفعِ. كان هنالكَ ما لا يقلُّ عن خمسينَ درجةٍ مقسّمةٍ إلى مَجموعاتٍ يربطُ بينَها شبهُ بَسْطةٍ صغيرةٍ كلَّ عشرينَ درجةٍ تقريباً. قالَ لَها حمد أنَّ المسافةَ بعيدةٌ عليهِ وعلى أبوالزهو وأمِّه وحِمْلِ البضاعةِ. زعمَتْ أنّهُ لا يوجدُ عندَها أحدٌ في البيتِ وأنّهُ إذا ما أراد حمد أنْ يبيعَها شيئاً فإنَّ عليهِ وصحبتهِ تسلُّقَ الدَّرَجِ. قالَ حمد: لا حولَ ولا!. بدأتْ المَجموعةُ بالتسلقِ؛ تارةً يقومُ حمد بِحَمْلِ أبوالزهو ليوصلَهُ إلى أقربَ بسطةٍ ليعودَ ليسوقَ أمَّهُ إلى ذلكَ المكانِ... وهكذا دواليكَ. وبعدَ جهدٍ جهيدٍ وانقطاعِ كلِّ الأنفاسِ وصلَ حمد وجَماعتُهُ إلى مدخلِ بيتِ المرأةِ "الحسناءِ". قال حمد في نفسهِ إذا كانَ كسبُ العيشِ مؤدّاهُ هكذا فمنَ الأفضلِ أنْ لا يكونَ هنالكَ كسبٌ أو حتى عيشٌ!.
 
وقفتْ المَجموعةُ أمامَ البابِ فخرجَ عليهِمْ رجلٌ كاملُ الصّلعِ تقريباً بادرهُ حمد قائلاً أنَّ المرأةَ ادَّعتْ بأنَّ لا أحداً لديها لترسلَهُ إلى الشارعِ السّفليِّ لشراءِ البضاعةِ!؟. كان شخصاً شاباً قويَّ البنيةِ مفتولةٌ عضلاتُهُ يعلو فمَهُ شاربٌ أسودُ كثيفٌ. طلبَ من حمد أنْ يبيعهُ "بقلولتينِ" وسألَ عن الثمنِ. قال حمد أنّهُ يبيعُ البقلولةَ الواحدةَ بِخمسةِ قروشٍ لذا عليهِ أنْ يدفعَ عشرةَ قروشٍ. قالَ الرجلُ أنّهُ يكفي حمد سبعةُ قروشٍ فردَّ حمد أنَّ رأسْمالَها خَمسةُ قروشٍ لكلٍّ منها مستثنياً التعبَ والإجهادَ لهُ ولِمجموعتهِ الكاملةِ. بكلِّ فظاظةٍ أجابهُ الرجلُ بأنّهُ إذا لَمْ يُرِدْ البيعَ بذلكَ السّعرِ فإنّهُ سيعيدُ لهُ البقلولتيْنِ. مشى البيعُ بسعرٍ فرضَهُ المستهلكُ البخيلُ هذهِ المرةَ، لأنَّ حمد كانَ يريدُ التخلّصَ من بضاعتهِ بأقصى سرعةٍ مُمكنةٍ. كان خائفاً أنْ تتكرَّرَ مأساةُ الصّباحِ مع أولادٍ جددٍ يَخرجونَ من أيٍّ من أحدِ أزقّةِ المدينةِ الكثيرةِ والمكتظّةِ بالسّكانِ. وما أنْ هبطَ حمد ومن معهُ الدَّرَجَ إلى الشارعِ حتى تذكَّرَ أنّهُ نسيَ أنْ يسترجعَ البقاليلَ الفارغةَ، ليعيدَ الكَرَّةَ من جديدٍ ولكنْ هذه المرةَ لوحدهِ حيثُ صعدَ الدّرَجَ سريعاً. لكنَّهُ وجدَ هناكَ أنَّ الرجلَ لَمْ يقمْ بعدُ بتفريغِ البقاليلِ من اللّبنِ. توسَّلَ إليهِ حمد بأنْ يقومَ بذلكَ وبسرعةٍ حيثُ أنّهُ كان يَخشى أنْ يقومَ أحدُهُمْ بسرقةِ أبوالزهو الصّغيرِ والبضاعةِ ويكونَ اليومُ يومَ كارثةٍ مشهوداً لهُ في تاريخِ عائلةِ أبو جاسر. تدخَّلتْ زوجتُهُ والتي صاحتْ بهِ أنْ يشعرَ ولو قليلاً مع بني البشرِ، وفعلاً حصلَ لهُ ذلكَ!. عادَ حمد إلى الشارعِ ليجدَ أبوالزهو وأمَّهُ "راكلي" بالانتظارِ وحَمَدَ اللهَ كثيراً أنْ لا شيءَ مِمّا وسوستْ لهُ نفسُهُ قد حَصَلَ لا معَ أبوالزهو ولا معَ أمِّهِ "راكلي".

الصفحات