رواية "تحت سماء الكلاب"؛ إنها عمل أدبي مميز يسرد فيه صلاح صلاح حكايات الألم العراقي وتغلغل المخابرات الإسرائيلية في الأحزاب العراقية وشمال العراق.
أنت هنا
قراءة كتاب تحت سماء الكلاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في مشهد 13 آب عام 1996 ضاعت اختيارات الحزن العادي لمحمود درويش ومجموعة من أصدقائنا· ضممت حجرا محاولا تزويقه بالحب، لكن الموت كان قد أنشب· هكذا مات رياض إبراهيم على مسلة الزمن، فتهنا في تلك الأيام أكثر من المتاهات السابقة· بعض الأصدقاء كانوا يحاولون إيجاد ثغور لسنونوات، أعشاش للحب المغادر على خيانة 31 آب، لكن السنونوات كانت تغادر الربيع المفترض أن تعيشه بيننا· آخرون من الأصدقاء قبلوا الموت بسكون، التفوا ببطانيات ممزقة ثم حملتهم العسس الليلية بحماية بيشمركة مسعود بارزاني· أين ذهبتم بهم أيها الموغلون بدم الأصدقاء ؟ لكنهم لايجيبون، بل يبتسمون ويضحكون للمدى الأرعن الغارق بخياناتهم· مدى أسود حينما يتقدم رجال الأمن الصدامي من أجل القبض على الأصدقاء في اربيل· خيول مطهمة بلوثة الخيانة وسهول غارقة في حزن أسود مأفون بالموت· ها أنا الأن أنسى أو أتناسى محنة سماوات الرويشد وطريبيل، ذلك أن الموت هنا يوزع مجانا وملفوفا ببطانيات ملونة زودنا بها بيشمركة مسعود· في المحنة الرقطاء المأخوذة صفاتها من صفات الضباع، تذكرت أشياء بسيطة حسب، فيما نسيت العديد من هذه الأشياء الأخرى، على سبيل المثال، أحسست بطعم الخراء الذي ذكره غارسيا ماركيز في خريف البطريرك ونسيت الأيام التالية حينما يقفز الجنرال على قحابه· المشكلة هنا أن الحدث كان أكبر من التذكر والتبرعم الذي غلف المدينة· في ذلك الصباح، وقبل خروجي الندي، تأملت مسرى المياه على أرصفة المدينة، الكثير من أهالي أربيل جلسوا القرفصاء عند نواصي الشوارع وعلى أرصفة الدروب الصغيرة بانتظار الهاجس· ومثل أي إنسان غير متآلف مع الوعي والمكان، اجتزت دروب المدينة المنداة· صباح آخر من الورد الضائع العصي على التذكر· كانت رائحة السماء غبية فيما يسرع آخرون نحو متاهات ومخارج العصافير الشاردة والقلقة· توقفت عند مفترق طرق شارع الستيني· في متاهة العصافير تلك كنت أشبه بالهائم أو التائه، ها أنا التائه الأبدي في دروب الضياعات· كان إحساس الضياع يضرب في مثل عاصفة· كل شوارع أربيل كانت مغلفة بالخراء والبعرور، قطعان الأبقار كانت تهرول بمعية الناس، وحدي أنا المتبقي وحيدا مع العصافير، كانت العصافير مرتبكة هي الأخرى لكنها لم تغادر السماء الطنانة بشبح مجهول· مجموعات من الأكراد تهرول في الشوارع ومجموعات أخرى تجلس القرفصاء على الطريقة الكردية بانتظار القادم المجهول· بالنسبة لي، بمفردي بقيت بصحبة ارتباك العصافير، مررت بعد أن نظرت في عين عصفور شائه صغير سقط دون سابق إنذار، على بعض الزملاء في إذاعة الملكية الدستورية، ثم دلفت بعد ذلك إلى مقر الحزب الوطني· في المقر شربنا شاي القلق والتحليل، بعد ذلك بدأت أصوات قاسية متباعدة في وخزنا مستثيرة فينا عشرة أعوام من الحرب واللاحب· اقترب صوت القذائف أكثر وشعرت أن الزوجة والأطفال بحاجة إلى أن أكون بقربهم· صوت القذائف المتساقطة كان غريباً وأدخلني في نوبة الشعور بالغثيان أو الشعور بالاستسلام، شعور مركب من اللاوعي والإحساس بالضياع·· انهمرت طلقة مدفع، فتوزعنا على الأماكن الصلبة من المقر· هممت بالخروج سريعا وفكرت أن أترك رقم هاتف المنزل، ولم أنتبه إلى شكل الموت المرسوم على الوجوه، الموت له أشكال مختلفة، أشكال غريبة ترتسم على وجه الضحية، نوع من الاستسلام الحذر يسيطر على الجسم في لحظة معينة ثم تموت بعد دقائق أو ساعات·