رواية "تحت سماء الكلاب"؛ إنها عمل أدبي مميز يسرد فيه صلاح صلاح حكايات الألم العراقي وتغلغل المخابرات الإسرائيلية في الأحزاب العراقية وشمال العراق.
أنت هنا
قراءة كتاب تحت سماء الكلاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
أذكر في الحرب العراقية الإيرانية، أن أحد الأصدقاء زارني في المخبأ قبل أن يرحل إلى المرصد المتقدم· جلس الصديق هادئا لكن حزينا، كان حزنه يرسم وجهه وثمة إملاءات للاستسلام تغزو وجهه· لم أنتبه وقتها إلى تلك الملامح الجافة، الملامح العالقة في الأرض التي سيعود اليها حتما، كان وجهه وجسده وروحه هائمة، وكان الاستسلام الغريب لما سيحدث كبيرا على وجهه· بعد أن غادر بساعات سمعت عبر جهاز المخابرة أن قذيفة أصابته في وجهه فلم يبق منه شيء حتى على سبيل الذكرى· في تلك الليلة سرحت كثيراً أتامل وجهه، أتأمل ابتسامته الخجلة ونظراته إلى التراب وأرض الملجأ، ثم أغنياته الحزينة· كل شيء كان يوحي بموته؛ الأرض، التراب، الوجه، الفم، العينان، وحتى ذؤابة الشعر المنسرح على جمجمته· للموت دائما وجه غريبا وموحٍ· بعد أن قضيت أشهرا طويلة في الحرب، صرت أعرف الأموات أو الذين كانوا ينتظرون دورهم بحزن شفيف واستسلام الضحية·
في مقر الحزب الوطني انتبهت إلى شكل الموت، أحدهم كان مبتئساً لأنه لم يكن يريد مزيدا من الرصاص وهو الهارب من الحروب إلى موقع الحرية المفترض، هذا الوجه تمنطق بسلاحه لكنه كان حزينا وقلقا لأن لا مزيد من الذخيرة في مخزن سلاحه· حينما لا تكون لديك ذخيرة كافية فهذا يعني أنك بانتظار الموت قتلا ولا فرصة للنجاة· هل تشبه العصافير، لا أدري على وجه التحديد، لكنك فعلا تكون في وضع مشابه· أنت عرضة للاصطياد والتصويب، ربما سيتسلى أحدهم في اصطيادك بطلقة واحدة، وربما سيكون القاتل ساديا جدا فيملأ جسدك بالرصاص، كل شيء مرهون بكيس عتادك وبنزعتك الذاتية للموت أو اللاموت·
خرجت من مقر الحزب الوطني بعد أن تركت رقم هاتفي ليتصلوا بي عند الضرورة· وكم كنت غبياً· إذ إن الجميع كان يعرف أن الجيش العراقي على وشك دخول المدينة إلا أنا، لم يكن هذا ذنبي، إذ لم يخبرني أحد في الجريدة عن الأحداث، السورانيون لايقولون شيئا، مجتمع مغلق، فلم يحذرني أحد من الكارثة المتربصة بي وببعض الأصدقاء العرب العاملين في الجريدة، كل السورانيين كانوا يعرفون إلا أن أحداً لم يحذرنا· كم كنا نشبه العصافير الطائشة والمغامرة، تلك العصافير التي تقترب من الصياد دونما خوف لتسقط دونما وجل في الشباك· قذائف المورتر كانت تتساقط بشكل متقطع للغاية، لم أسمع غير صدى لقنبلتين أو أقل· ولم أسمع دوي رصاص، كل شيء لم يكن يوحي بمعركة، حتى الأكراد لم يكونوا يهتمون بذلك، حيث جلست الغالبية منهم القرفصاء في الساحات ورؤوس الطرقات بانتظار القادم، وكأنما هناك فيلم سينمائي على وشك العرض· أي فيلم مسلٍّ كان يجري تصويره بمعية هؤلاء الناس الذين عرفت فيما بعد أنهم ليسوا إلا أتباع البارتي (الحزب الديمقراطي الكردستاني) بانتظار قدوم الجيش لينهي سيطرة جلال الطالباني على أربيل·