رواية "تحت سماء الكلاب"؛ إنها عمل أدبي مميز يسرد فيه صلاح صلاح حكايات الألم العراقي وتغلغل المخابرات الإسرائيلية في الأحزاب العراقية وشمال العراق.
أنت هنا
قراءة كتاب تحت سماء الكلاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
صارت أصوات القنابل المتباعدة أقرب، قنبلة وقعت في حي سكني قريب نسبيا جعلتني أعجل في العودة إلى المنزل· في تلك اللحظات شعرت بضياع صور الأصدقاء من ذهني، الذي كان يشبه شبكة واسعة الفتحات، كل الأشياء تتساقط، كل الأشياء تضيع دون أن أكون قادرا على التقاطها، أو حتى البحث عنها في ملامح المعمعة الآتية على حين غرة· سرت في شارع الستيني، لم أفكر في الاستثناءات المرة، الاستثناءات من الهروب أو الضياع، الأصدقاء تتساقط صورهم عجلى من الذهن، أين يمكن أن يكونوا، أين يمكن أن يكون إسماعيل شاكر الرفاعي أو رياض إبراهيم، اين سأهرب في هذه المعمعمة، كنت أفكر في الذهاب إلى الجريدة لكن لم تكن هناك وسيلة نقل توصلني إليها، أين يمكن أن أجد الدكتور البصري، الوحيد الذي يمكنه أن يعلمني متاهة الخروج من هذه المعمعة والاضطراب الذي أغرق فيه· أين مسالك الهروب، لم أكن اعرف بالخارطة التي يمكن أن أسير عليها، البوصلة معطلة وقانون الجذب العام معطل هو الآخر، رياض إبراهيم جاء قبل هذا اليوم بيوم واحد أو يومين، زارني في جريدة الاتحاد التي يصدرها حزب جلال الطالباني، جلسنا نتحادث، شربنا شاياً كردياً معتقا ودخنا تبغاً حاداً بعد أن عملناه على شكل لفافات مضطربة· ها أنا أشعر بالضياع العارم، الأشياء حولي تتحرك متساقطة، فيما أنا لا أعرف ماذا أفعل، شعور بالاستسلام أخذ يهيمن علي· في الليلة الماضية كنت في مقر جريدة الاتحاد حيث أعمل، بقينا لساعة متأخرة· كان كل شيء يجري بشكل عادي جداً، لم تكن هناك أية إشارة لما يحدث الآن، كان آخر خبر تسلمناه في الجريدة يتعلق بأحداث عالمية، تم تحرير الخبر ثم سرت متمهلا في الباحة الخارجية· كان هذا المكان سابقا مقراً لمنظمة حزب البعث، أما اليوم فإنه تابع لإعلام الاتحاد الوطني، الأشياء تختلف أحيانا لكن المسميات تمارس في بعض الأوقات تأثيرا على الأمكنة· سرت متمهلا في الباحة الخارجية، كان زميلي يتمعن بشدة في حركة السيارات الفخمة لقادة الاتحاد وهم يتجمعون في مقر الجريدة، صديقي الصحفي الكردي كان يتأمل دون أن يحدثني عن شيء أو يفسر لي مايجري· الحركة غير طبيعية، لكن صديقي كان ينظر فقط بالرغم من أني لمحت في عينيه ثمة قلقا خفيا، لكنه لم يرد أن يحدثني، شعرت وقتها بلا وعي وبوهم كبير، هذا الحاضر الملعون والسائر بتمهل يقتلني، يجعلني أتيه في الأسماء والأمكنة المغلقة لمديريات الأمن العام وهم يسحلوك كأي جيفة نتنة ثم يرمونك في الزنزانة المنفردة لتتعتق· هاأنا اليوم هارب منهم، لكنهم يقتربون· بالأمس صرح جلال الطالباني بأنه سوف يجعل من مسعود بارزاني ينظر إلى أربيل بالمنظار المكبر فقط· الكل ضحك من قوة الهزء بمسعود بارزاني، المام جلال كان يتحدث بلغة أسطورية، لغة تنم على القوة المفرطة بمقاتليه، القادة الأكراد لا ينظرون إلى العالم بمنظار التحليل أو توازن القوى أو الثوابت، دائما السياسة الكردية قائمة على قوة التحالف مع الغير، والمصيبة أنهم يفشلون في كل مرة، الأكراد البسطاء يصدقون قادتهم بشكل خرافي، يعتبرونهم بمنزلة الأنبياء فيما القادة يضحكون على ذقونهم وبساطتهم· لم أشاهد مجموعات بشرية في حياتي بمثل الذي أراه اليوم هنا· لا معارضة ولا أسئلة توجه إلى هؤلاء القادة من مثل إلى أين تقودوننا أيها الأغبياء المقدسون·