رواية (حواء في دبي) الصادرة عن دار الجندي للنشر والتوزيع المقدسية، للكاتب المقدسي سمير الجندي، جاءت بغلاف أنيق عبارة عن بورتريت للفنان الفلسطيني اسماعيل شموط وهي بمثابة رصد اجتماعي لجوانب اجتماعية في الوطن العربي وبعض الوقائع السياسية. نقرأ من أجوائها:
أنت هنا
قراءة كتاب حواء في دبي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
(1)
تلف جسدها بعباءة سوداء، تجلس على مقعد في طرف بهو مطار الملكة علياء البناء الجديد، أمام البوابة المؤدية للطائرة، وبيدها جهاز هاتف تعبث أناملها الدقيقة بأزراره، فلا تلتفت لشيء آخر، يبدو عليها التركيز بالجهاز لدرجة أنها تكاد لا تشعر بما حولها، المكان بطبيعته هادئ، لا يكسر صمته سوى نقرات أحذية نساء عصريات، أحذيتهن عالية جدا بحيث تبدو الواحدة منهن كأنها محلقة في الهواء، كما تعطي جسد المرأة شكلا متناسقا، وفي مشيتها إثارة تلهب خيالات الرجال، كل الرجال.
ما زالت صاحبتنا تجلس في ركنها القصي، هي وجهازها النقال وعباءتها الخليجية السوداء، وأناملها التي تتحرك على سطح الجهاز بطريقة تبدو عبثية، ويظهر من تحت العباءة ساقان فتيان ملتفان كالعاج الإفريقي، وكلما انحسر غطاء رأسها يظهر شعرها حريري كستنائي، رشيقة في جلستها، تضع ساقها اليمنى فوق اليسرى، تتغير ملامح وجهها بحسب حركات أناملها فوق أزرار الجهاز النقال، البهو واسع والمقاعد الشاغرة تُشغل بالمسافرين شيئا فشيئا، تركت المكان محاولا اشغال نفسي بالتجول بين الأمكنة التجارية المغلقة لم يحن موعد افتتاحها، والوقت ما زال مبكرا على موعد الإقلاع، تناولت فنجان قهوة(اسبريسو) مضاعفا، لكن شيئا في داخلي دفعني لعدم المكوث كثيرا في المقهى، على عكس عادتي، فأنا أحب الجلوس في المقهى وأجد راحتي فيه، وهذه المرة رضخت لذلك الشيء الذي دفعني للذهاب إلى بوابة المسافرين إلى دبي، تفقدت الركن الذي تجلس فيه الحسناء، ما زالت تجلس في المكان وما زال جهازها النقال يتلوى بين أناملها العشر دون ملل، تظهر على وجوه المسافرين علامات الإرهاق والتعب، موعد الإقلاع في تمام الساعة الثامنة صباحا أي بعد ساعة من الآن، أخذت أراقب حركات جسدها ويداها وتعابير وجهها الرائعة، فقسماتها الطفولية تُظهرها أصغر من عمرها، أعارتني التفاتة كاملة للحظة واحدة فرأيت وجها متناسق القسمات أدهشني بجماله، ابتسمتُ لها فبادلتني الابتسامة بأحسن منها، عاد كل منا للعبث بأشيائه؛ هي بجهازها النقال، وأنا بشرب قهوتي السادة، والكراسي كادت تمتلئ بالمسافرين...
فُتحت البوابة، فاصطف المسافرون يحمل كل منهم جوازه وتذكرته، أما هي فقد جلست مكانها لم تأبه بالوقوف كالآخرين، انتظرت حتى نهاية الصف الطويل ثم قامت متوجهة إلى البوابة فمشيت بموازاتها، اقتربت منها بحيث صرت على بعد همسة من عنقها الشفاف، قلت لها صباح الخير سيدتي، فالتفتت نحوي فإذا أنا أمام عينين فاقتا بحسنهما السحر، ووجهٍ أبيض كالبدر في ليل التمام، وشفتين طريتين تنطقان بلغة غابت عن الدنيا منذ أفول الشمس عن حضارة ماجان، فجمالها يوازي أساطير الجمال الإغريقي عند الآلهة أفروديت، خرجت حروف صباح الخير من ثغرها بانسجام إيقاعي أطرب قلبي؛ فرقصت حواسي الخمس رقصة الحنين إلى عناقها، ثم أضافت قائلة:"هل تعرفني"؟