رواية "بعيدا عن البشر" للكاتب باسكال ديسان؛ الصادرة عام 2007، والتي ترجمها إلى العربية الكاتب والمترجم الأردني وليد السويركي؛ نقرأ من أجوائها:
أنت هنا
قراءة كتاب بعيدا عن البشر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
بعيدا عن البشر
الصفحة رقم: 2
كانت أشجار العلّيق تلك أمام ناظريْ جاك طيلة أشهر ولم يكن ذلك يزعجه إذ ما كان لحالته أن تسمح له أن يدرك، فيما الأرض تُسحب من تحت قدميه والسماء تنهار فوق رأسه، أيّ مفاجأة تعيسة يمكن أن تخبّئها له الحياة· وحدها الحاجة للحركة، لاستخدام يديه وبالتأكيد ليست الحاجة لنيل رضا جين، هي ماجعلته يهتم بتلك الأشجار الآن· سيستغرق ذلك وقتًا، أيامًا عدة ، حيث سيتوجب عليه البحث عميقًا عن جذورها· سيلزمُه قفّاز ومجرفة ومقصّ تقليم· سيعثر بالتأكيد على هذه الأدوات في الكراج· لن يزعج نفسه بقطف الثمار التي لم تصمّخها الشمس بعد· ذلك العام احترقت كل الثمار تحت الشمس أو ذهبت طعامًا للطيور، كتلك الدُخَّلة الجريئة التي تأتي لتزدرد حبات التوت تحت سمعه وبصره· لا بدّ أنها لم تكن تخشاه·
ولكن هل كان جاك يعرف فضائل تلك النبتة؟ هل عرفها فأجّل، ربما، مشروعه لفرط ما كانت إرادته ضعيفة· كان سيجد في ذلك عذرًا كافيًا· ما كان ليخطو باتجاه الكراج· ولربّما ما كان مات· أو لمات بطريقة أخرى·
لكونها مادة قابضة فإنّ لتلك النبتة مفعولاً طيّبًا على الأغشية المخاطية· وهي علاج جيّد لمرض السيلان الأبيض أو التعقيبة كما أنها فعالة ضد القوباء، وحب الشباب، والأكزيما، وكذلك الدمامل· وقد كان الطبيب الإغريقي ديوسكوريد ينصح بها لشد الأمعاء والأرحام المصابة بالارتخاء ولتقوية اللثة ولمعالجة القرحة أو للتخفيف من النزيف· كان جاك بعيدًا عن التفكير بمثل هذه الخواص، لكنه بالمقابل، كان يعرف أسطورة إيطالية تتحدث عن أشجار العليق· تقول الأسطورة إنه في زمان غابر كانت أشجار العليق تملك نزلاً، وكانت تؤدي المسافرين بالدَّين إلى أن وصل بها الأمر إلى إغلاق النزل· منذ ذلك الوقت وهي تنتصب على الطرقات والمفارق، لتنشب أشواكها المخيفة في أجساد المارين لكي يدفعوا فورًا· بالنسبة لجاك، فقد سدد ما عليه نقدًا·
عثر جاك على كل ما يحتاجه في الكراج· قام بتزييت المقص، ارتدى حذاءًا طويل الساق، وسترة أكلها العثّ لكنها ربما كانت واقيًا جيّدًا، و قفازات أيضًا، ثم تناول مجرفة·
حين عاد إلى التراس ثانية، تساءل عما إذا كان سيتراجع عن الأمر· أدار ظهره للبيت· أخذ يتأمل أشجار العلّيق· من أين يبدأ؟ من الوسط ربّما· يفتح شقًّا· ثم يصل إلى الجدار الواقع وراء ذلك· شغّل المقصّ بحركة آليّة، كما لو كان يمرّن عضلاته· سيوسّع الفتحة بالتدريج· سيكدس الأغصان أكوامًا وسط الحديقة ويقوم بحرقها لاحقًا حين تجف، فهو إن فعل ذلك الآن، قد تخرج النار عن سيطرته وتمتدّ إلى الممتلكات المجاورة ويموت القنفذ إعصار، فقد كنّا آخر الصيف وكانت تهبّ ريح خفيفة· كان مهمومًا بمصير القنفذ أكثر من مصير جين· أما الدّخلة فإنها ستطير وستعثر على ما تأكله في مكان آخر·
ترى هل تراجع مستسلمًا لهذا الوهن الذي بات يميز سلوكه منذ عدة أشهر، أم أنه انتظر بضع لحظات قبل أن يبدأ في تقليم أشجار العليق مما مكّنه أن يسمع، بالتأكيد، أحدهم يفتح البوابة ويصعد الممر المحاذي للبيت·
كان جاك مستغرقًا في عمله وقد أعماه العرق المتصبّب منه·كانت عضلاته قد تراخت وبدأت ذراعاه تؤلمانه· وضع أحدهم يده على كتفه·