رواية "بعيدا عن البشر" للكاتب باسكال ديسان؛ الصادرة عام 2007، والتي ترجمها إلى العربية الكاتب والمترجم الأردني وليد السويركي؛ نقرأ من أجوائها:
أنت هنا
قراءة كتاب بعيدا عن البشر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
بعيدا عن البشر
الصفحة رقم: 5
آه، الرحيل· لقد تحدّثت عن الرحيل، الانسياب من جهة من النهر إلى أخرى، كما كانت تقول، وحتى لو لم تعد تتحدث عن ذلك، وحتى لو كنت أمضي جلّ وقتي الحر على ظهر جوليب، فإنني لم أتخلّ عن شقتي التي أملكها في ميناء سانت اتيان· كنت ألجأ اليها أحيانًا، لكي أجنب إليزا مزاجي المتعكر، أو عندما ما كانت يداي تتلطخان بالدم، ولو بالوهم· كان هذا يعزز من علاقتنا بالتأكيد، فحتّى لو قرّرتْ الرحيل يومًا، فلن أحاول ابتزازها· لم أكن أريدها أن ترحل·
تركت الجريدة تسقط على أرض القارب ونهضت عن الكرسيّ الطويل· كانت إليزا مثيرة، ترتدي حمّالة حمراء وسروالاً أبيض قصيرًا· كانت هذه الألوان، مع الأزرق الصيني لنباتات الدوديّة المعرشة التي لا تحصى، تخلق تأثيرا مدهشًا، مع أنها ألوان وطنية إلى حد ما(3)· كانت النحلات ترتشف رحيق الأزهار الحريرية· طوّقتها بذراعي·
- هل أنت غاضبة؟
- ولماذا أغضب!
من الصعب معرفة ما إذا كانت غاضبة، لهذا كنت أسأل وهو سؤال معتاد أطرحه كلما شعرت أني قد أكون كدّرتها· كانت اليزا تملك مزاجًا مستقرًا على الدوام· وحتى عندما قررت الخطوط الملاحية الفرنسية تغيير القواعد والأنظمة لم أرها تنفعل· بالطبع، انضمّت إلى أصحاب الناقلات النهرية الذين عادة ما يعيشون منطوين على أنفسهم، إلا أنهم تجمعوا هذه المرة ضمن رابطة غير أن إليزا على ما أعرف، لم تنجز أيّة مأثرة·
مع ذلك، كانت الأسباب التي تكدّرها كثيرة، سواء ماتعلّق منها بالقوارب التي تتسبّب سرعتها المفرطة بأذى للضفاف يفوق ذلك الذي يعزى للجرذ القُندُسيّ أو بخطوط الملاحة الفرنسية التي يبدو أنها تتهرب من إيجاد حلّ لمشكلة أشجار الدلب، المئة ألف شجرة التي زرعها بول ريكيه(4) في الآونة نفسها التي شهدت حفر قنال الـ Midi ، والتي آلت جميعها إلى الذبول·
كان المكتب الوطني للحراج قد قدّر الميزانية اللازمة لصيانة المشاتل وتجديدها بما يزيد على مليوني يورو، أي ثلاثة أضعاف ما قبلت بتقديمه شركة خطوط الملاحة الفرنسية· ألا يثير هذا الغيظ؟
كان القنال، بعد الأزهار، هو الموضوع الذي لا ينضب· تخوض اليزا فيه بسهولة· تلاحظ، تحاكم، توّبخ، لكنها لا تغيّر نبرتها أبدًا· إني لأعتقد أنّ قلبها لم يكن ينبض بانفعال إلا حين نمارس الحب· ضممْتها إليّ بقوة·