في البدء نود أن نؤكد على أنَّ لـ"بيت الحكمة العباسي" جذوره التي تضرب في أعماق التاريخ، أي في تراث العراق القديم أيام السومريين والبابليين والآشوريين هنا في بلاد بابل وفي العصر البابلي القديم، أي ابتداءاً ومن حدود عام 2000 ق.م.
قراءة كتاب بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي
الصفحة رقم: 2
وهناك اتفاق بين جمهرة من الباحثين على أنَّ نشوء الكتابة جاء تلبيةً لحاجة المعبد إلى وسيلة لتثبيت مدخولاته ومصروفاته المالية. والمهم في الأمر أنَّ الكتابة منذ فجر ظهورها وفي كافة مراحل تطورها وانتشارها اللاحقة حافظت وبشكل ملفت للنظر على وحدة شكل العلامات وألفاظها ومعانيها في كافة المدن السومرية. وبتعبير آخر، فقد كان هناك تطابق تام بين قوائم العلامات "المسمارية" المكتشفة في المدن السومرية بعد انتشار فكرة الكتابة من الوركاء إلى الأرجاء المختلفة من سومر. ومع انتشار الكتابة ظهرت الحاجة إلى وجود مؤسسة أو مؤسسات تعليمية يتم فيها تعليم الأبناء فنون الخط "المسماري" في أمكنة مخصصة لهذا الغرض وهي التي أصبحت تُعرف بالمصطلح السومري (أي – دوبا) Edubba حرفياً (بيت الألواح). هنا يكمن تطابق واضح بين النسختين السومرية "بيت الألواح" وبين "بيت الحكمة" مما يدل على أنَّ القصد من "بيت" هنا مكان حفظ الألواح أو الكتب. ويفترض الباحثون، أنَّ المدارس عند نشأتها كانت ملحقة بالضرورة بالمعبد وأنَّ المعبد كان مركزاً اقتصادياً وثقافياً إلى جانب وظيفته الدينية أساساً. ومهما يكن فيبدو واضحاً أنَّ المدارس في حدود 2000 ق.م. أي في مستهل العصر البابلي القديم، كانت مستقلة عن المعبد بدليل أنَّ ما يُعرف بـ(الألواح المدرسية) قد تمَّ العثور عليها في مرافق سكنية وليس في المعابد. إذ كشفت الحفريات عن بعض الأبنية التي يبدو من مخططاتها ومن الألواح المدرسية الموجودة فيها على أنَّها أبنية كانت مخصصة للأغراض التعليمية.
ذكرنا قبل قليل أنَّ انتشار الكتابة كان على نطاق واسع في المدن السومرية، وأنَّ ازدياد الوعي الثقافي أدَّى إلى ظهور مراكز تعليمية في العراق القديم لاسيما في الجنوب إذ ظهرت وتطورت الحضارة السومرية. وتحظى مدينة (نُفَّر) على وجه الخصوص بأهمية مزدوجة من بين المدن السومرية الأخرى. فهي أولاً تتمتع بأهمية دينية مهمة كونها مركزاً لعبادة إله الأجواء (إنليل) ولأنَّ كهنتها كانوا يتمتعون بسلطة إضفاء الشرعية على حكم الملوك. وهي ثانياً من أشهر المراكز الثقافية في جنوب وادي الرافدين على الإطلاق. فالأدب السومري على سبيل المثال، ظلَّ يُنقل شفاهاً، وأنَّ عملية جمعه وتدوينه بدأت عندما أخذت اللغة السومرية طريقها إلى الانقراض بعد سقوط سلالة أور الثالثة. ويظهر أنه كان لمدينة (نُفَّر) دور هام في إجراءات الحفاظ على الإرث السومري وتدوينه إذ أُنشئت فيها مدارس لجمع وتأليف أرشيف للأدب السومري، وقد كشفت التنقيبات التي أُجريت في أواخر القرن التاسع عشر في ما يُعرف بـ"حارة النسَّاخين (الكتبة)" في نُفَّر عن بضعة آلاف من الألواح الطينية المدونة لأعمال أدبية، كما تمَّ العثور خلال التنقيبات اللاحقة في الخمسينيات من القرن العشرين عن نصوص مدرسية تعليمية وجدت في مرافق سكنية حيث الطلبة يتعلمون اللغة السومرية وحيث كانت الجهود تُبذل على الأدب السومري عن طريق جمعه واستنساخه من الواحة الأصلية. وبالفعل فقد أثمرت تلك الجهود عن نتائج في غاية الأهمية إذ تضمَّنت النصوص المكتشفة قوائم بالعلامات المسمارية لأغراض معجمية ونماذج من عقود ورسائل وقرارات قضائية ومسائل رياضية فضلاً عن المؤلَّفات بكل أنواعها وكذلك التراتيل والصلوات وأدب الحكمة...