في البدء نود أن نؤكد على أنَّ لـ"بيت الحكمة العباسي" جذوره التي تضرب في أعماق التاريخ، أي في تراث العراق القديم أيام السومريين والبابليين والآشوريين هنا في بلاد بابل وفي العصر البابلي القديم، أي ابتداءاً ومن حدود عام 2000 ق.م.
قراءة كتاب بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي
الصفحة رقم: 10
وصار لحُنين مدرسة للترجمة، يشتغل تحت يده عدد من علماء عصره ويُترجم بعضهم من اليونانية إلى السريانية، ثم يترجمها غيرهم إلى العربية ويُترجم بعضهم من اليونانية إلى العربية. وممن كان يترجم بين يديه: حبيش بن الحسن الأعسم، وهو أحد تلاميذه وكان حُنين يُقدِّمه ويُعظِّمه، ويُفضِّل نقله، وكان يُترجم من اليونانية والسريانية إلى العربية. وكذا عيسى بن يحيى بن إبراهيم، وهو من تلاميذ حُنين أيضاً، كان من النقلة المجيدين، واصطفين بن بسيل، وموسى بن خالد الترجماني، ويحيى بن هارون وغيرهم(29). وكان أبنه إسحاق بن حُنين (المتوفي سنة 298هـ/910م) لا يقل عن أبيه في النقل من اليونانية والسريانية إلى العربية، وله نقولوتآليف(30).
وبلغ من شغف المأمون بكتب الحكمة والفلسفة: أنَّه إذا ما عقد معاهدةً مع بعض ملوك الروم، فإنَّه كان يشترط عليه أن يُرسل إليه من نفائس كتب الحكمة التي في بلاده، والتي يندر وجودها عند غيرهم من الأمم.
ومن ذلك: أنه جعل أحد شروط معاهدة الصُلح بينه وبين ميخائيل الثالث – قيصر الروم – أن ينزل الثاني للأول عن إحدى المكتبات الشهيرة في القسطنطينية، كان بين ذخائرها الثمينة كتاب بطليموس في الفلك، فأمر المأمون بنقله إلى العربية وسمَّاه "المجسطي"(31).
وهادن المأمون صاحب قبرص، وأشترط عليه أن يُرسل إليه من كتب الحكمة، وخاصةً كتب أرسطاطاليس. وقد حدثنا القفطي عن هذا فقال: "إنَّ المأمون راسل ملك الروم وكان قد أستطال عليه وأذلَّ دين الكفر، وطلب منه كتب الحكمة من كلام أرسطاطاليس، فطلبها ملك الروم، فلم يجد لها في بلاده أثراً، فإغتم بذلك وقال: يطلب مني ملك المسلمين علم سلفي من يونان فلا أجده، أي عذر يكون لي؟ أم أيَّة قيمة تبقى لهذه الفرقة الرومية عند المسلمين؟ وأخذ في السؤال والبحث، فحضر إليه أحد الرهبان المنقطعين في بعض الأديرة النازحة عن القسطنطينية وقال له: عندي علم ما تريد، وقال له: أدركني، فقال: إنَّ البيت الفُلاني في موضع كذا الذي يقفل كل ملك عليه قفلاً إذا ملك ما فيه، قال في – على ما يُقال – مال الملوك المتقدمين، وكل ملك يجيء يقفل عليه حتى لا يُقال أحتاج إلى ما فيه لسوء تدبيره ففتحه، فقال له الراهب: ليس الأمر كذلك وإنما في ذلك الموضع هيكل كانت يونان تتعبد به قبل أستقرار ملَّة المسيح، فلما تقررت ملَّته بهذه الجهات في أيام قسطنطين بن اللانة "هيلانة" جمعت كتب الحكمة من أيدي الناس، وجعلت في ذلك البيت، وأُغلق عليه بذلك، فاستثار الراهب في تسييرها – إذا وجدت – إلى بلد الإسلام، وهل عليه في ذلك خطر في الدنيا أو أثم في الأخرى، فقال له الراهب: سيِّرها فإنك تُثاب عليه، فإنها ما دخلت في ملَّة إلا وزلزلت قواعدها، فسار إلى البيت وفتحه، ووجد الأمر فيه كما ذكر الراهب، ووجد فيها كتباً كثيرة، فأخذوا من جانبها – بغير علمٍ ولا فحص – خمسة أحمال، وسُيِّرت إلى المأمون، فأحضر لها المترجمين فاستخرجوها من الرومية إلى العربية، ثم تنبَّه الناس بعد ذلك على تطلبها – بعد المأمون – وتحيَّلوا إلى أن حصلوا منها الجملة الكثيرة. وهذه الكتب من أعظم ما دخل خزانة المأمون من كتب الحكمة"(32).
وإنَّ المأمون لم يكتفِ بهذه الكتب، بل إنه فاتح ملك الروم ثانيةً، يسأله أن يسمح لجماعة من العلماء، أن يشتروا من كتب الحكمة ما يجدونه في بلاد الروم، لكي يُضيفها إلى خزانة كتبه، وأن ملك الروم أجاب إلى ذلك – بعد أمتناع – فأرسل المأمون بعثة علمية لهذا الغرض منهم: الحجَّاج بن مطر، وابن البطريق، وسَلَم صاحب بيت الحكمة، فأخذوا مما أختاروه عدداً كبيراً، وحملوها إلى بغداد، فأمرهم المأمون بنقلها إلى العربية، وهكذا أجتمع عند المأمون طائفة كبيرة من كتب: الحكمة والفلسفة والمنطق والموسيقى والنجوم وغيرها.