قراءة كتاب بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي

بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي

في البدء نود أن نؤكد على أنَّ لـ"بيت الحكمة العباسي" جذوره التي تضرب في أعماق التاريخ، أي في تراث العراق القديم أيام السومريين والبابليين والآشوريين هنا في بلاد بابل وفي العصر البابلي القديم، أي ابتداءاً ومن حدود عام 2000 ق.م.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 5
ونستشف من النصوص المسمارية أنَّ المسؤولين على المكتبات كان لهم منهج خاص في التعامل مع الألواح التي توضع في مكتباتهم ينمُّ عن فكر علمي منظَّم يبدأ في اختيار مضمون الرُقُم والمواضيع التي تتطرق إليها ثم في تدقيقها ويرد: "كُتبت على الألواح حكمة أيا، حرفة مغني المعبد، سرَّ الخبير، دُققت وجُمعت ثم أودعت في مكتبة أبي زيدا، صومعة الإله نابو، سيدي، في نينوى، آه يا نابو أنظر برضا على هذه المكتبة"(5). كذلك أوجد العراقيون القدماء نظاماً علمياً دقيقاً لاستعارة الرُقُم من المكتبات للحيلولة دون ضياعها أو تلفها إذ كان يُسجَّل أسم الشخص المُستعير وعنوان الرقيم المُستعار على لوح طيني صغير يُحفظ في المكتبة، وفي رقيم عُثر عليه في الوركاء تقرأ: "لقد تمَّت استعارة النسخة الثانية للرقيم من قبل الملك سرجون وتمَّت إعادته"(6).
 
كذلك يبدو أنه فضلاً عن استخدام منهج صارم في التعامل مع الألواح فقد كانت بركة الآلهة وعطفها تشمل كل من يستعير منها لوحاً ويُرجعه دون أن يغيِّر في محتوياته أو يُلحق به ضرراً "عسى عشتار أن تنظر برضى على التلميذ ummanu الذي لا يُغيِّر سطراً ويُعيد الرقيم إلى المكتبة"(7).
 
واستناداً إلى الرُقُم الطينية المكتشفة في مكتبتي آشور بانيبال في نينوى أنَّ الرُقُم الطينية كانت تحتوي على إمضاءات مستنسخيها فضلاً عن وضع علامات خاصة على الرُقُم تُشير إلى عائديتها للمكتبة الملكية، وهي إن صحَّ التعبير تُحاكي الإجراءات المتبعة في الوقت الحاضر من وضع علامة أو ختم خاص على الكتب المحفوظة في المكتبات أيَّاً كان نوعها.
 
كذلك نُشير إلى ظاهرة علمية لا يمكن أن تستغني عنها في أيِّ مكتبة منظَّمة في السابق وإلى الوقت الحاضر، ألا وهي وضع فهارس أو قوائم بما موجود في المكتبة في نصوص تُسهِّل على المطالعين الرجوع إليها ومعرفة ما تحويه من مواضيع مختلفة. وقد عُثر على مثل تلك الفهارس المدوَّنة على رُقُمٍ طينية صغيرة الحجم ضمن مجموعة ألواح، عُثر عليها في مدينة نُفَّر ترجع بزمنها إلى العصور السومرية المتأخرة، وفهارس أخرى تعود إلى مكتبتي آشور بانيبال من العصر الآشوري الحديث(8).
 
فضلاً عن ما ذكرته النصوص المسمارية فقد أظهرت التنقيبات الأثرية في بلاد الرافدين على وجود مبانٍ متخصصة لحفظ وخزن الرُقُم الطينية يمكن أن تعدها النماذج الأولى لمباني المكتبات في تاريخ البشرية، وكانت تلك المباني بمخططات وتصاميم شبه موحدة تقريباً بغض النظر عن مكانها أو العصر الذي أُنشئت فيه. وقوام هذا المخطط عبارة عن جناح عماري ملحق بمعبد رئيسي يشتمل على عدد من الغرف بمساحات مختلفة. وفيها تكون الغرفة الرئيسة ذات مدخل واحد يوصلها ببقية مرافق المبنى وقد شُيِّد لصف جدرانها الداخلية مصاطب أفقية متعاقبة الواحدة فوق الأخرى تشكِّل رفوفاً منتظمة إلى أقسام أشبه بـ(الكوات) بواسطة قواطع عمودية صغيرة، ويُحفظ في داخل هذه الكوات الرُقُم الطينية.

الصفحات