في البدء نود أن نؤكد على أنَّ لـ"بيت الحكمة العباسي" جذوره التي تضرب في أعماق التاريخ، أي في تراث العراق القديم أيام السومريين والبابليين والآشوريين هنا في بلاد بابل وفي العصر البابلي القديم، أي ابتداءاً ومن حدود عام 2000 ق.م.
قراءة كتاب بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي
الصفحة رقم: 3
وفي مرحلة لاحقة من تاريخ العراق القديم ظهرت المكتبات، وهي الأمكنة التي فيها الألواح المدوَّنة بشتَّى صنوف المعرفة. ويمكن القول بشكل عام أنَّ المكتبات أو خزانات الكتب في العراق القديم يمكن أن تُصنَّف إلى ثلاثة أنواع:
1. مكتبات خاصة بأرشيف الدولة كتلك التي عُثر عليها في بعض العواصم الملكية مثل نينوى وماري وكارانا (تل الرماح).
2. مكتبات خاصة بالمعابد مثل تلك المكتشفة في نينوى (مكتبة نابو) وآشور ونمرود وسبَّار. فقد عثرت بعثة التنقيب لقسم الآثار في كلية الآداب بجامعة بغداد على مكتبة في الطبقات العليا في منطقة المعبد في مدينة (سُبَّار)، وفضلاً عن قيمتها المعرفية في المجالات اللغوية والأدبية والدينية فإنَّ لمكتبة سُبَّار التي يزيد عدد ألواحها (كتبها) على خمسمائة لوح، أهمية فريدة أخرى وهي أنَّه قد تمَّ العثور عليها سليمة تماماً فالألواح وجدت كما رتبها صاحبها الكاهن البابلي في رفوف مبنية الواحد منها فوق الآخر. وحرصاً منه على بقائها محفوظةً بعيداً عن العبث وتأثيرات الطبيعة فإنَّه غطَّى تلك الألواح بطبقة من الطين.
3. مكتبات شخصية، مثل تلك المُكتشفة في (سلطان تبه) بالقرب من حرَّان والتي عُثر فيها على مجموعة من النصوص الأدبية والدينية تعود إلى كاهن في معبد (سين) إله القمر، اسمه (قدري نركال)Qudri Nergal.
ولا شك أنَّ مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال (668 – 631 ق.م) في نينوى كانت من أغنى وأشهر خزانات الكتب المكتشفة لحدِّ الآن في وادي الرافدين وخارجه. فقبل ما يقرب من قرن ونصف القرن تقريباً، عام 1849 على وجه التحديد، كان (هنري لايرد) يحفر في قصر سنحاريب في قوينجق (نينوى) عندما عثر على قاعدتين فيهما أعداد كبيرة جداً من ألواح الطين غطَّت الأرضية لارتفاع قدم أو أكثر. وبعد ثلاث سنوات من ذلك عثر مساعد (هرمز رسام) على مجموعات أخرى من الألواح في قصر الملك آشور بانيبال في (قوينجق) أيضاً وقد بلغ عدد ما عثر عليه الاثنان أكثر من (28) ألف لوح نُقلت كلََّها إلى المتحف البريطاني. وقد تبيَّن فيما بعد أنَّ معظم الألواح المكتشفة في قصر سنحاريب تعود إلى حفيده آشور بانيبال ذلك لأنَّ الأخير أقام في قصر جده سنحاريب سنوات عدَّة قبل أن ينتقل إلى قصره. ويمكن القول بشكل عام أنَّ هذه المكتبة الضخمة تحتوي على صنفين رئيسيين من الألواح: الأول رسمي، مما يقع ضمن أرشيف الدولة، والثاني مكتبي، أي أنها وثائق حُفظت في المكتبة لأهميتها في مواضيع معينة كالتآليف الأدبية والدينية والسحر والعرافة والتعزيم والطب والفلك. وتتجلَّى أهمية هذا الصنف من الوثائق في الجهد الكبير الذي بُذل من أجل استنساخها من وثائقها الأصلية القديمة وفي التنقل بين المدن السورية والبابلية بحثاً عن وثائق ذات قيمة تراثية لإرسالها إلى نينوى في هذه المكتبة. وبدافع الحرص على أن تتم عملية استنساخ النصوص من ألواحها القديمة بدقة وأمانة دون تغيير أو تعديل أو تبديل فقد جاء على لسان الملك آشور بانيبال قوله في ذلك اللوح الخامس والأخير من قصة "إيرا" إله الطاعون، ما نصه:
(اللوح الخامس من سلسلة إيرا)
"أنا آشور بانيبال، الملك العظيم، الملك الصنديد
ملك العالم، ملك آشور
ابن سرجون ملك آشور
ابن سنحاريب ملك آشور
كتبت ودققت وطابقت هذا اللوح بصحبة عدد من العلماء
على وفق ألواح الطين وألواح الكتابة الخشبية
وعلى نسخ من آشور وسومر وأكد
ووضعته في قصري لمطالعتي الشخصية
كل من يمحو اسمي المكتوب ويكتب اسمه
عسى الإله نابو، كاتب كلِّ شيء، أن يمحو اسمه.."