قبل الولوج في حياة إبراهيم طوقان وشعره، لا بد من الحديث عن أحوال الوطن العربي عامة وعن فلسطين خاصة، لمعرفة تاريخ المرحلة التي عاشها الشاعر إبراهيم طوقان، وما كان فيها من أحداث جسيمة، والمؤثرات التي تفاعل معها الأدباء والشعراء.
أنت هنا
قراءة كتاب إبراهيم طوقان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
إبراهيم طوقان
الصفحة رقم: 7
أصبح إبراهيم شاعر الجامعة، كما لقبته صحف بيروت. ولم يقتصر في ذلك العهد على الشعر الغزلي فحسب، بل كانت أغاريده الوطنية الفياضة بالعواطف الصادقة، والإيمان الوطني القوي، تسير جنباً إلى جنب مع أغاريده الغزلية. وهذان الوتران كانا من الأوتار التي امتاز إبراهيم بالضرب عليها.
وفي سنة 1929، نال شهادته من الجامعة، ليخوض بحر الحياة العملية المزبد المتلاطم.
معلم، معلم، معلم، هذه هي الكلمة التي كان يسمعها تتردد على شفاه الكثيرين من الطلاب الخريجين، يوم توزيع الشهادات؛ فيقول لنفسه: «أبعد هذا العناء والكد، يختار هؤلاء التعليم مهنة؟ ألا ساء ما يفعلون؛ ما أقصر مدى طموحهم».
أما هو، فقد كانت المفاوضات جارية بينه وبين إحدى دور الصحافة في مصر، وتوشك أن تنتهي على أحسن ما يتمناه. فهذه مهنة تلائم ذوقه على الأقل، وتسير مع اختصاصه. سيكون محرراً في مجلة كبرى في القاهرة؛ وناهيك بالقاهرة من مدينة فن وأدب وجمال. وأي شيء تصبو إليه نفس الأديب الناشئ الطموح، ولا يجده في القاهرة؟ المكتبة الكبرى، ألأزهر، الصحف، الشعراء، الكتاب؛ «يا مصر، لله مصر!». صحافي، صحافي...
هذا ما كان إبراهيم يحدث به نفسه في أيامه الأخيرة في الجامعة.
من المنصة التي منح عليها (البكالوريا)، مشى إبراهيم إلى سرير المستشفى؛ وأراني حتى الآن، لم أشر إلى أنه كان يشكو ألماً في معدته منذ أيام التلمذة في مدرسة المطران في القدس؛ وكثيراً ما أقعده ذلك عن مواصلة التحصيل، إلى أن يشفى فيعود إليها؛ وكثيراً ما حمله بعد ذلك، على الاستقالة من وظائفه التي تقلب فيها.
أبلّ إبراهيم من مرضه، وكان والده إلى جانبه في هذه الآونة، إذ قدم بيروت ليشهد حفلة الجامعة. ثم توجه الاثنان إلى مصر ليستشيرا الأطباء هناك، وليبحث إبراهيم في شغله الصحافي.
وفي مصر ينفذ البرنامج، وتتجه صحة إبراهيم اتجاهاً حسناً؛ وبعد بضعة أسابيع يعود الوالد بولده إلى نابلس، قرير العين، ناعم البال، على أن يعود إبراهيم للشغل في مصر بعد أن يمضي مع ذويه أياماً قليلة.
غير أن الأم تأبى عليه ذلك، وتحكم أن يظل ولدها قريباً منها، وتدخل العاطفة في الموضوع.. زد على ذلك أن أباه لم يكن راغباً في شغله في مصر.
وكانت هنالك ظروف أخرى، شاءت أن يلغي إبراهيم برنامجه الصحافي ويضرب بهذا الأمل المنشود عرض الحائط، ولو لمدة سنة.
وفي هذه الآونة، كانت وظيفة معلم اللغة العربية في مدرسة النجاح الوطنية بنابلس شاغرة. فيأتي إلى إبراهيم والده، يقنعه بالموافقة على التدريس هناك؛ فهذه خدمة وطنية مشكورة، أضف إلى ذلك أن المسؤولين في المدرسة، سيجعلون ساعات العمل بحيث لا يرهقونه، ثم إن هذا العمل في بلده، وأنه لون من ألوان الاختبار يقطع فيه إبراهيم جزءاً من أوقات الفراغ الطويلة المملة.
ويكون رد إبراهيم على أبيه بأنه لا يستطيع أن يتصور نفسه معلماً، فهذا عمل لم يخلق له، وسيكون فيه خائباً لا محالة. ولكن أباه يبين له أنه سيعلم في موضوعه، فلا يخرج عن نطاق ما خلق له.
وإذا بإبراهيم ذات صباح أمام فريق من الطلاب، على مقاعدهم الخشبية، وإذا به يكتب على اللوح: «الطقس جميل»، ثم يقول لأحد التلاميذ: ادخل (كان الناقصة) على هذه الجملة، فيقول التلميذ: «كان الطقس جميلاً».
نعم.. كان الطقس جميلاً، فتعكر، وجرت الرياح بما لا تشتهي السفن..