في هذه المختارات من الشعر يجد القارئ اثنين وعشرين شاعراً من مختلف اللغات والبلدان والزمان وما يربو عن الستين قصيدة اختيرت لجمالها، وهذا لا يعني أن ليس ثمة ما هو أجمل منها· إنّها أوراد جميلة تختلف ألوانها وأشكالها جمعتها من أماكن مختلفة ولكنها تشترك في عطرها
أنت هنا
قراءة كتاب مختارات من الشعر العالمي بلغة مزدوجة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

مختارات من الشعر العالمي بلغة مزدوجة
الصفحة رقم: 1
تقديم
ليست ترجمة الشعر سهلة، فالعاطفة الكامنة التي يعبِّر بها الشاعر والتي تلامس إحساس القارئ فتهز مشاعره ويتفاعل معها لا تُترجَمُ بكلمات مقابلة للأصل من القاموس· فعلى المترجم أن ينقل هذه العاطفة أيضاً، أيْ روحَ القصيدة، وأن يكون متمكِّنـاً من اللغتين معنى ولفظاً· وهذا ليس بكافٍ، إذ أنَّ عليه أن يكون ملمّاً بالتقاليد والأعراف والظروف التي عاش فيها الشاعر المُترجَم له، وخصوصاً إذا كانت القصيدة ساخرة أو فلسفية تنتقد أموراً يراها الشاعر شراً ويراها العامة خيراً أو العكس، هذا بالإضافة إلى الميثولوجيا والحوادث التي حدثت في وطن ذلك الشاعر أو التي ذُكِرَت في شعره· ثم نقلَ النص بأمانة وإخلاص، وإنْ كان ما يعتقد المترجم ضدَّ ما يعتقد الشاعر، وإلاّ فعلى المترجم أن يبحث عما يوافق هواه· وللمحافظة على روح القصيدة على المترجِم أن يتقمَّصَ نفسيةَ الشاعر ويشعر بشعوره ويترجم كما لو أنّه هو من يكتب القصيدة ولا يترجمها، وإلاّ فستكون الترجمة باهتة وباردة· إنَّ صعوبة الاحتفاظ بالإيقاع الموسيقي للقصيدة، وخصوصاً إذا كانت بقافية، هي مشكلة أخرى· ففي هذه الحال على المترجم أنْ يختار الكلمات الجميلة والمناسِبة من المفردات الكثيرة لجعلها رائقةً ذاتَ لحن منساب جميل، مع الاحتفاظ بأمانة النصّ، ليعرف القارئ النصَّ الأصليّ والمعنى الحقيقي الذي أراده الشاعر، فتنال منه قبولاً حسناً·
في هذه المختارات من الشعر يجد القارئ اثنين وعشرين شاعراً من مختلف اللغات والبلدان والزمان وما يربو عن الستين قصيدة اختيرت لجمالها، وهذا لا يعني أن ليس ثمة ما هو أجمل منها· إنّها أوراد جميلة تختلف ألوانها وأشكالها جمعتها من أماكن مختلفة ولكنها تشترك في عطرها الفواح، وليس فيها وردة قانصة للروح كتلك التي تغري بتفتحها الحشرة، فما إن تقف عليها حتى تُطبق أكمامها عليها بسرعة وتلتهمها· جمعتها كلّها في باقة واحدة وأقدمها للقارئ الذي بإكليلها لعله ينتعش بجمال ألوانها وطيب عطرها وقد لا يعجب بعضهم اللون أو العطر أو تنسيقها أو اختيارها، فلكل ذوقه ورأيه، وما عليّ إلاّ أن أبرز ما يروق، وكلي أمل أن أكون موفقاً· حاولت الحفاظ على النصّ الأصلي في القصائد الإنكليزية والألمانية ما استطعت، وهذا لا يعني أنه الكمال، فلا يوجد من لا يخطئ وخصوصاً في الترجمة· أما القصائد الفرنسية فقد ترجمتها عن اللغة الإنكليزية، وهنا تكون أمانة النص معتمدة على مترجمها عـن الأصل· أما القصائد التي ترجمتها شعراً بقافية، مثل البحيرة (لامرتين) أو أوراق الخريف (جاك بريفير)، فهناك زيادة ونقصان عن النصّ الأصلي، وهذا جائز أيضاً في الترجمة، إذ يجوز للمترجم أن يأخذ المعنى الكلّي الشامل للقصيدة وينقله إلى لغته بأسلوبه دون كلمة مقابل كلمة مع مراعاة الفارق بين اللغتين، كما فعل لايشمان مثلاً في ترجمته سونيتات أورفيوس (ريلكه) شعراً أو غراهام غود في ترجمته مرثيات ريلكه أيضاً· دقّة الترجمة لا تكون شيئاً مفيداً إنْ لم يصاحبها جمال، وأن تكون سلِسةَ التعبير ومفهومة يستمتع بها القارئ وإلاّ فإنَّها تفقد هدفها وتكون كتمثالٍ عار من الجمال· لذا على المترجم أن يقرأ القصيدة جيداً ويفهمها ويعرف الغرض منها قبل أن يقوم بترجمتها·
أرجو أن أكون قدمت للقارئ العربي بعض ما يستحق من تعريف بالأدب الغربي وأنْ يستفيد من النصّ الأصليّ جنب الترجمة للمقارنة والتدقيق وربما التعلّم في الوقت ذاته·
د· بهجت عباس
كندا في 31 كانون الثاني (يناير) 9 0 0 2

