أنت هنا

قراءة كتاب مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره

مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره

"مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره"، هذا الكتاب هو رحلة فكريّة بين السطور، نعبر بها محيطات وبحاراً، ونرسو دائماً في مرافئ تزوّدنا بالحياة والحرية والعدالة. وما بين مرفأ ومرفأ، نواجه عواصف وأنواءً فكرية تسكن وجداننا..

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
الضوء الطليق
 
من أين جاءت قدرته على الانتظار ؟
 
كلمات رددها الكثيرون بعد وفاة الشاعر أمل دنقل· لم تفاجئ الحياة شاعراً مثلما فاجأته· لم يكن الموت مفاجأة له، بل كان الشاعر الوحيد الأكثر هدوءاً بانتظاره وسط غبار الحياة وجو المجازر·
 
لعله أيضاً الشاعر الوحيد الذي تقدم بمنطق الشخصيات التراجيدية، حاملاً جسده الميت وعينيه المفتوحتين، لدرجة أنه أصبح شاهداً على الحياة والموت !
 
إن من عرف أمل دنقل بقصائده، بغضبه النبيل، بارتباكه الطفولي، يكتشف أي حياة قادت هذا الشاعر إلى ينابيعها· فالموت لم يأخذ أمل دنقل إنما الحياة هي التي أخذته والتي تسلل إلى ينابيعها خلسة، فأصبح ظلاً يخشاها ويتسلل منها هارباً·· أليس في ذلك انتصار للشعر؟
 
ففي أعماله الشعرية الكاملة نرى أنه لم يكن ثمة صمت، فما هو حاضر هو الحياة بضجيجها ومباغتاتها، وأحداثها تزدحم في شعره فنشعر أننا في مهرجان شعبي، الموت فيه ليس إلا مهرجاً·
 
إن الصمت في القصائد هو صمت اللحظة العابرة في حركة الحياة المندفعة، اندفاع موج البحر الذي يبدأ فيه الشاعر وينتهي إليه في قصائده·
 
إن رحلة الشاعر في قصائده من البحر وإلى البحر، حاملاً جده الميت وروحه الحية، تلك الروح التي غنت للمدن والناس والأطفال والشهداء·
 
غنت للعاملين الملثمين بمناديلهم الترابية، للمهاجرين بخبزهم الدامي، يفترشون وأطفالهم الشوارع· أيكون أمل قد أدرك فرح الحياة فأبكاه هذا الفرح ؟
 
إن انبثاق شاعر وسط مرارات مسحت الحياة، لم تحجب عينيه عن الواقع، بل جعلته أكثر وعياً لهذه الحياة وأشيائها، فملأت شعره وطغت على أحزانه الخاصة التي توارت خلف ظل هذه الأشياء وشمس الشعر·
 
آه·· ما أقسى الجدار عندما ينهض في وجه الشروق·
 
ربما ننفق كل العمر·· كي ننقب ثغره ليمر النور للأجيال·· مرة !
 
ربما لو لم يكن هذا الجدار
 
ما عرفنا قيمة الضوء الطليق· من البكاء بين يدي زرقاء اليمامة·
 
هل هذه الكلمات هي فرح الفن ؟ أم هي الترف النابــع من آلام الشاعر ؟
 
لقد كانت حساسية أمل دنقل الطاغية على شعره بمثابة الحياة، حتى وهو يبكي أفراحها المفقودة وعذابها المقيم· هذه الحساسية الطاغية في الشعر قادت الشاعر إلى التساؤلات المعذبة والمؤلمة، ونقلته إلى أفق بعيد يخرج عما هو حسي محض، لكنه مع ذلك لا يفارقه·
 
إنه أفق الحكمة والتطلع الممزوج بتجربة الشاعر وعالمه الذي لم يغادر أشياء الحياة إلا ليعود إليها بعيني طفل وحكمة شيخ· ومع ذلك فعالم الشعر لدى أمل دنقل لم تطغ عليه أشباح الفكر وبرودة الأفكار، وإنما ظل حتى لحظة وفاته مفتوحاً على الحياة كوضوح الشمس الآسر وغموض النجوم الشفيف، فانقاد إلى الموت نقياً كالشعر·

الصفحات