إن رحلة البحث عن حياة البزاز ومسيرته ليست سهلة، ولكنها في الوقت نفسه ليست صعبة، خاصة بعد أن اتسعت في الأوساط السياسية والصحفية والتاريخية موجة المذكرات الشخصية التي تساعد الباحث في مهمته.
أنت هنا
قراءة كتاب عبد الرحمن البزاز - أول رئيس وزراء مدني في العراق الجمهوري
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

عبد الرحمن البزاز - أول رئيس وزراء مدني في العراق الجمهوري
الصفحة رقم: 6
لقد تطوع العديد من المحامين العراقيين للدفاع عن عبد الرحمن البزاز وبذلوا جهودا لتبرئته الا ان الحكم كان قد صدر قبل بدء المحاكمة ومن بين المحامين حسين جميل وفائق السامرائي وشوكت حبيب الشبيب · وكان السيد فائق السامرائي قد نصح البزاز قبل ذلك بان يبقى في لندن ولا يتوجه إلى بغداد عقب انقلاب 17 تموز 8 6 9 1 وقال له ان الرئيس عبد الناصر طلب مني ذلك ويحذرك من السفر إلى بغداد لان االحكم البعثي الجديد سوف لا يتركه وشأنه·
ويتحدث الحبوبي عن هذا الموضوع في كتابه المذكور اعلاه فيقول(حصل انقلاب 17 تموز 8 6 9 1 وكان البزاز في لندن ومن هناك ارسل برقية تهنئة لاحمد حسن البكر ليشعره انه ليس ضد السلطة الجديدة ولكنه ظل مترددا في العودة إلى العراق وقد علمت ان ابن خاله الدكتور مكي الواعظ نصحه بعدم العودة ولكنه عاد العراق وقيل تفسيرا لعودته انه مرتبط بقضايا مهمة موكل بها هي التي دفعته إلى العودة·· وجلس في داره يستقبل الناس من شتى الطبقات تتوافد للسلام عليه مما اوغر صدر السلطة عليه وراحت تحصي عليه حركاته وسكناته واتصالاته ·· ولم يطل به الوقت فقد انتزع من داره واودع المعتقل دون توجيه تهمة معينة له وراحت الاخبار تتسرب عن تعذيبه لانتزاع اي اعتراف منه بالتامر أو غيره وطال الاعتقال اعدادا كبيرة من الناس ومن شتى الطبقات وبعد اعتقالي اكثر من مرة غادرت العراق وتركت البزاز نزيل المعتقل ويتعرض للتعذيب الجسدي وقيل ان السلطة اتهمته بالاشتراك في - مؤامرة - فبركت خيوطها فاحيل مع اخرين إلى محكمة - الثورة - وادخل القفص وساءت صحته بعد ان حكم عليه بالسجن وراح الاعلام الخارجي يتناول قضية البزاز ويسلط الضوء على سوء معاملته وانه مريض أو محتضر وانه فقد النطق من شدة التعذيب مما شكل ضغطا سياسيا كبيرا على السلطة الحاكمة فاضطرت إلى اطلاق سراحه والسماح له بمغادرة العراق للعلاج فسافر إلى لندن مع زوجته حيث رقد في احد مستشفياتها)·
ويضيف الحبوبي(ولا انسى الصورة التي نشرتها له مجلة - الحوادث- وهو راقد على السرير كشبح أو هيكل عظمي ووجهه عبارة عن عظام بارزة واحدى عينيه مقفلة تماما والاخرى نصف مقفلة وقد رفع سبابته امام مصور الحوادث وكانه يجيب بنعم بناء على طلب المجلة عندما سالته - هل تعرضت للتعذيب؟- فرفع اصبعه بمعنى - نعم - تعرضت كما ترى امامك)·
كان مشلولا فاقدا للنطق ولم يكن سليما فيه غير سمعه ومن خلاله كان يجيب بسبابته ولم يمكث كثيرا اذ عاجلته المنية في بغداد ودفن فيها رحمه الله ·بعد ان مكث في احد مستشفيات لندن سبعة اشهر كانت الاشهر الثلاثة الاخيرة منها على نفقة قائد الثورة الليبية العقيد معمر القذافي ·
وعبد الرحمن البزاز هو السياسي والقانوني والمفكر ورئيس وزراء العراق الاسبق ولانه كان في طليعة السياسيين الذين يدعون إلى الديمقراطية والحرية قولا وفعلا ولان من المؤمنين فيهما فقد عاش حياته في سبيل تحقيق احلام وطنه في عراق ديمقراطي حر موحد وبلدا للعرب والاكراد وبقية الاقليات جميعا بلد المروءة والوفاء والانفة والاباء والسمو والكبرياء· عراق صلب دون ان يكسر ولين دون ان يعصر لا يتكبر ولا يتجبر كريم مضياف لكنه لا يدع احد يستغله أو يستغفله، عراق دمث صبور ودود ولطيف· فقد كان يرى في اختلاف الرأي نوع من التفكير ومصادرة الرأي نوع من التكفير ويؤكد دائما انه من انصار الاختلاف الحر بين الاراء وضد التكفير ويقول يجب ان نتعامل مع التفكير على اساس انه افتراضات قابلة للتصحيح بتفكير اخر وجهد عقلي ولا خطر من أي تفكير حتى لو كان مليئا بالاخطاء فمواجهة الفكرة بالفكرة الاخرى اما اتهام المفكرين ومصادرة ارائهم فتلك كلها اخطاء اكبر فهي عدوان على كرامة البشر وانسانية الانسان المتمثلة في حرية العقل وان التفكير ليس خطرا ولكن رفض الحوار هو الخطر ولانه غير صدامي ويؤمن بالحوار طريقا إلى الفهم الصحيح· ومن هنا يأتي اعجاب البزاز بالامام الشافعي فيروي عنه في المحاضرة التي القاها امام طلبة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد حول التحديات التي تواجه الامة العربية قائلا(انا معجب بالامام الشافعي ومن دواعي اعجابي به كلمة كان يرددها لطلابه - مذهبنا انه صواب يحتمل الخطأ ومذهب غيرنا خطأ يحتمل الصواب - هذا هو الخلق العلمي وبهذه الروح ممكن ان يلتقي الناس ويتناظرون ويتجادلون ويتفاهمون ويصلون إلى الحلول المعقولة) ومن هنا ايضا اصدر البزاز في 10/11/5 6 9 1 قانونا بشأن تأكيد مبدأ سيادة القانون والمحافظة على الحرية الشخصية اذاعه راديو بغداد ينص على عدم جواز توقيف أو قبول توقيف أي شخص الا بامر صادر من جهة ذات اختصاص وبموجب مذكرة توقيف صادرة حسب احكام القانون· وطلب البزاز في قراره من السجون ومراكز التوقيف عدم قبول أي موقوف دون مذكرة رسمية· ونص القرار كذلك على عدم جواز حجز الاشخاص أو ابعادهم الا بموجب امر تحريري صادر عن رئيس الوزراء أو من يخولهم ممارسة هذه الصلاحية أي وزير الداخلية وقائد الميدان في شمال العراق· ودعا القرار محاكم امن الدولة إلى العمل في اوقات الدوام وخارجها للنظر في قضايا التوقيف السابقة التي قال البيان ان بعضا منها تعود الى(ثورة) شباط/فبراير 3 6 9 1·
وجاء في الاسباب الموجبة ان هذا القرار صدر تأكيدا لمبدأ سيادة القانون وضمان المحافظة على الحرية الشخصية وحماية حقوق المواطن ·
ومن جهة اخرى ذكرت صحيفة الثورة العربية البغدادية لسان حال الاتحاد الاشتراكي التنظيم القومي انذاك في عددها الصادر في 10/11/5 6 9 1 انه تم الغاء سجن السليمانية في شمال العراق وسجن الكوت في الجنوب وقالت ان اسباب الالغاء تعود إلى قلة عدد السجناء فيها إلى حد سمح باغلاقهما·