أنت هنا

قراءة كتاب مكبث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مكبث

مكبث

ان مسرحية "مكبث" للكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير والتي ترجمها إلى العربية د. ازهر سليمان، تمثل في ظني الزخم الشكسبيري الثر؛ الكلمة والجملة هما الفكرة، والفكرة هى اللغة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7
نجد في مسرحية مكبث رغبة الاختيار الحر للشخوص. فزوجة مكبث تتضرع الى قوى الظلام الشريرة لمساعدتها في قتل دنكن. ان اختيارها هذا هو اختيار واع حر بديلا لقوى الخير التي يفترض ان تناشدها لانقاذ روحها. كما ان مكبث لم يلم الساحرات باختياره درب الجريمة, لكنه وجه اللوم اليهن فقط في وقت لاحق من المسرحية لخداعهن له بوعود زائفة. لقد اغرين مكبث بالعمل الشرير وقدنه الى الياس والخنوع وضياع الذات, وذاته هو ملكه وهو صاحب القرار في الاحتفاظ بها او بيعها للشيطان.
 
ومهما يكن, ان كنا نؤمن بالساحرات وبوجودهن او عدمه في وقتنا الحاضر, فالساحرات يبقين في مسرحية مكبث هدفا لبناء درامي يرمز الى قوى الشر والظلام. وقد نسال سؤالا اخيرا:من منا يرضى ان يكون ملكا على اسكتلندا شريطة ان يخسر روحه وطمانينته ونومه؟
 
آن الاوان لان نتكلم حول ماهية الدافع الرئيسي الذي حفز مكبث لقتل الملك. وقبل التعرض لهذا الموضوع يتوجب ان نفهم ان المأساة تعني بأبسط صورها موت البطل في النهاية. فضلا عن بعض العناصر الدراسية الاخرى والتي ذكرها ارسطو طاليس في كتاب "الشعر" ترسي دعائم المأساة بشكلها الرصين. من ضمن هذه العناصر هو الخطأ المأساوي. فلا بد للبطل من خطأ مأساوي يرتكبه او يكون جاثما في طبيعته وتكوينه يقوده الى حتفه. فخطأ عطيل المأساوي هو غيرته الشديدة وثقته بالناس من اول وهلة؛ وخطأ هملت المأساوي هو تردده كثيرا في القيام بتنفيذ خططه. أما خطأ مكبث المأساوي فهو طموحه الكبير لان يكون ملكا بطريق غير مشروع مما جعله يرضخ لايحاءات الساحرات والى ضغط زوجته لارتكاب الجريمة. ومن الجدير بالذكر ان مفهوم الطموح في العصر الايزابيثي يختلف عن مفهومنا وتصورنا له في الوقت الحاضر تماما. فبينما يعتبر الطموح الان امرا مشروعا بقدر مشروعيته حاجة انسانية, فقد اعتبره الاليزابثيون امرا شائنا ومدانا, وعليه فأن مكبث يعتبر رجل خطيئة لانه فكر بالحصول على العرش قبل ان يلتقي بالساحرات. لقد كانت بذور هذا الطموح مغروسة في روحه وعقله فاينعتها رقى الساحرات وازهرها تحريض زوجته له. ومع هذا فيمكن القول ان الجريمة واغتصاب العرش والقسوة هي جرائم عامة. بينما يبقى الطموح خطيئة ذاتية ولا يهم مدى ومقدار اساها. وقد عوقب مكبث بسبب تلك الخطيئة كما فهمها الاليزبثيون انذاك.
 
ولالقاء المزيد من الضوء على شخصيتي مكبث والليدي مكبث لا بد من فهم علاقة الحب بينهما لفهم مسار التطورات والانحدارات في ذاتيهما وماله من تاثير عميق على الحدث الدرامي. فحينما تبدا احداث المسرحية, نرى ان علاقة مكبث بزوجته هي علاقة نموذجية للزوج والزوجة. فهو يحبها حبا جما ويتبادلان كلمات الحب الصادق العميق.وحالما يسمع مكبث ما قالته الساحرات من تنبؤات، يكتب الى زوجته يخبرها بما حدث. وهذه اشارة الى العلاقة المتينة والتفاهم المتبادل بينها. فيرسل رسالة اليها يخبرها فيها: ((وما احسب الا اني فاعل حسنا حين اخبرك, يا شريكة مجدي, كيلا تضيع منك الفرحة التي بقيت بغير علم بالعز الذي انت موعودة به)) ونلاحظ بوضوح ان مكبث يخاطب زوجته بـ (شريكة مجدي), مما يعطي لهذه العلاقة بعدا قويا بين الاثنين لتاكيد الحب والامال المشتركة.
 
ان الليدي مكبث, وبدافع حبها لزوجها, تصر وتسعى حثيثا على ان يكون مكبث ملكا. لكنها تحس ان زوجها تملؤه الاحاسيس الانسانية والعطف مما يمنعه من اقتراف جريمة قتل دنكن والاعراض عنها. لذا فهي تقرر ان تقضي بشتى الوسائل على كل العوائق مهما كان نوعها والتي تقف في طريق تنفيذ هذا العمل. فمرة تتهم زوجها بالجبن ومرة بالتردد, لكنها في اعماقها لا تؤمن بهذه الاتهمامات وانما تقولها لا لشئ الا لتحريك شئ في اعماق مكبث لاقتراف الجريمة لصالحه, كما تظن هي.
 
وتستمر علاقتهما هذه الى ان تقع سخرية القدر. يتباعد الزوجان شيئا فشيئا عن بعضهما لا لكره بينها ولكن بسبب ذالك الحب الكبير. يحس مكبث ان زوجته بدأت تتعذب عذابا نفسيا شديدا تحت تأثير ووطأة وخز الضمير من قتل الملك. ولكي يبعدها عن ساحة الجريمة, يسثنيها من كل خططه المستقبلية الاجرامية, فلا يخبرها بخطته لقتل بنكو ثم يتحول تدريجيا الى العمل الفردي. وتتسع فجوة الانفصال بينهما ويعشعش اليأس والحزن والقنوط في قلب مكبث الى ان يصل الامر الى ذروته حينما تموت الليدي مكبث. ورغم ان حبهما كان صادقا وكبيرا الا انه لم يستطع الاستمرار والتواصل تحت ظلام الجريمة والشر والدم.
 
اما فيما يخص شخصية مكبث فيمكن القول انها شخصية درامية رائعة تثير اعجابنا لاسيما في بداية ظهورها على المسرح. فمكبث شجاع ومتمرس في فنون القتال يتبعه الفرسان اينما يمضي. ونلاحظ كذالك في المشاهد الاولى من المسرحية صراعا عنيفا يجول بين ضمير مكبث ونزعاته الشريرة فتفوز بعد ذلك تلك النزعات لتسود اجواء المسرحية. ففي البدء يتردد مكبث في فعل امر كهذا فيقول بعد ان التقى بالساحرات اول مرة:
 
لم يا ترى يستحوذني ذلك الايحاء
 
الذي يقف شعري له رعبا من صورته الفظيعة,
 
وصيرت سكينة قلبي طرقا على الضلوع
 
على غير طبيعته؟
 
في هذا الموقف يمكن اعتبار مكبث حياديا تجاه الجريمة وليس متبنيا لها تماما, وفي الامكان وبقليل من الجهد ان يتغلب على طموحه تجاه القوة والسيطرة على هذه النزعة المدمرة. لكنه فشل في ايجاد مثل هذا الجهد لعوامل ذاتية واخرى خارجية كما سنتطرق اليه.
 
ظن مكبث ان عملية قتل دنكن ستكون الكلمة السحرية مثل(افتح يا سمسم) لابواب مجد عظيم وطمانينة لا حدود لها. لكن ماحدث هو العكس تماما. لقد اصبحت هذه الجريمة بذورا ازهرت منها كل الجرائم اللاحقة, كما صارت ايضا الخطوة الاولى على طريق الجريمة الذي تنتهي به الى ماساته النهائية. وجاءت الجريمة الثانية لتضع مكبث في محنة اليأس ومرارته ليقول:

الصفحات