أنت هنا

قراءة كتاب مسير نهر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مسير نهر

مسير نهر

تُخرج الكاتبة السويسرية آن كونيو في روايتها الضخمة "مسير نهر" الصادرة عن "نينوى"، الموسيقي الانكليزي فرنسيس تريجيان من ردهات النسيان، كي تعيد إليه اعتباره بوصفه جامع العوالم الموسيقية؛ النبيل المتألق الذي نجح في تجاوز مطب الكبرياء الانكليزية ليصل الى الاستن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
نزلت، ولكن يستحيل تجاهل التهديد الذي يعتري صوتها. ذهبت حتى الباب وأنا أملك رغبة أقوى من الخوف، فعدت إليها.
 
"سيدتي؟".
 
"ماذا بعد؟".
 
"ألا تريدين تعليمي كيف أكتب اسمي؟".
 
"سيد فرانسيس، عندما أقول لا فهذا يعني لا. انتبه، أنت لم تتعلم المشي عملياً، وعليك أن تتعلم الكلام بصورة صحيحة قبل أن تتعلم الكتابة".
 
"حسناً، يا جدتي. أريد أن أحاول فقط".
 
إنها تستجيب. ينتهي بها الأمر دوماً إلى الاستجابة. تمضي وقتها وهي تقول: "من يحب شيء ما، عليه أن يتحمل عذاب هذا الحب"، وتطلب منهم أن يصححوا لي ما كتبت، أما هي لم تقم بذلك لسبب اكتشفته فيما بعد، هو أنني كنت أسليها.
 
***
 
عندما كنت صبياً صغيراً، كان قصر غولدن مكاناً ضخماً. كنت أخاف من الظلال الممتدة إلى الغرف، وظلمتها في ساعات النهار. كنت أفضل اجتياز الباحة والذهاب إلى مطبخ القصر القديم حيث كان يوجد فيه أحد ما على الدوام.
 
يتكون غولدن من قصرين. هناك القصر الجديد الذي بناه والد جدي وفيه عاشت عائلتي وجدتي كاترين وخدامهم الشخصيين. يقع القصر الجديد في جنوبي الطريق الواصل بين غولدن ميل وبروبوس، تحيط الباحة الوسطى بمبانيه من ثلاث جهات، وهو مفتوح على الممشى. ويقع القصر القديم، الذي يعود تاريخ بنائه إلى ثلاثة أو أربعة قرون، على ما أظن، في شمالي الطريق وينزاح قليلاً عن البيت الجديد، ويستند إلى حقل مرتفع كان الفلاحون يسمونه الحقل الروماني. يقال في البلد، بأن القصر القديم كان ديراً للراهبات في قديم الزمان. إنه مسكن عال وممل، نوافذه قليلة العدد، يحتوي سلسلة من المباني النفعية المصفوفة على شكل مربع حول باحة مغلقة، بُنيت في عصر توجب فيه مقاومة الحيوانات المفترسة والقراصنة وقطاع الطرق، ومن أجل ذلك كان الأسياد يحصنون مساكنهم. يُستخدم قصر غولدن القديم اليوم كمزرعة ومستودع ومسكن لعدد كبير من الخدم. أصبحت صالته الكبيرة مطبخاً للقصر.
 
يعج باستمرار بالخدم والخادمات والفلاحين والوصفاء والوصيفات. يبدو لي بأن هؤلاء الأشخاص يتحدثون ويصرخون ويركضون في الاتجاهات كلها في آنٍ واحد.
 
الرجل الوحيد الذي ينفصل عنهم هو توماس الكبير، توماس العجوز، الذي تُظهر ابتسامته أسنانه المزالة، شعره أبيض اللون وقليل، فهو لا يتحرك إلا بمساعدة عكاز ويمشي "ببطء". يتهامسون ويقولون بأن عمره ثمانون عاماً، وقد كان مدير القصر لدى والد جدتي جين، وكان وقتها في المنزل عندما جلبته جين فولفيدون مع مَهْرها إلى جون تريجيان، قبل بناء القصر الجديد. يقال أيضاً إنه رحل مع جين فولفيدون لأنه كان يعشقها بجنون. لم تذكر الإشاعات فيما لو كانت تبادله هذا الحب .
 
عندما كنت طفلاً، كان توماس العجوز يمضي القسم الأكبر من وقته في زاوية من زوايا الموقد، وكنت على يقين بأنه ينام فيه. كان يعرف القصور بأدق تفاصيلها، وكنا نقوم باستشارته عندما نعجز عن حلّ الصعوبات التي تواجهنا. حتى والدي كان يتنازل ويبحث عنه هنا وهناك ليستطلع رأيه.
 
***
 
كان كل شيء لدى توماس العجوز قديماً، ولا صوت له. كان صوته عميقاً ويبعث على الاطمئنان، وكان قريباً من الأرواح الطيبة والشريرة التي كانت تضرب الريف. والله أعلم فيما لو كان الريف الكيرنيفوتي يذخر بأرواح من كل جنس ولون. يتميز صوته بلكنة سلتية، لغته الأم التي علمني مبادئها، فقد كان يحدثني عن تربيجيان.
 
"كانت ذراعاه طويلتين ما يكفي كي يمدها وينتشل الرجال من القوارب المارة. كان يأكل لحماً طازجاً كل يوم. آه! كم طفلاً التهم لحمه نيئاً. لا نعلم كيف توفي. عثروا على هيكله العظمي منذ فترةٍ وجيزة".
 
ومرةً أقحم العجوز توماس نفسه بموضوع الوحوش، وكان يستفيض بالحديث عنها. حدثني عن جون غانت الذي ترك آثار مسيره على هضبة كارن بريا بالقرب من ريدروث: الصخور الموجودة هناك تدعى بالتابوت والعجلة ويد المارد بل ومهده أيضاً. يعتقد توماس أن كورنويل تعج بالعمالقة. وحتى اسم بلدنا يرتبط بهم.

الصفحات