أنت هنا

قراءة كتاب ترجمات من الشعر البلغاري المعاصر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ترجمات من الشعر البلغاري المعاصر

ترجمات من الشعر البلغاري المعاصر

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
جاء بوتيف إلى الدنيا وبلاده بلغاريا ترسف في أغلال من الاحتلال العثماني الذي امتد خمسة قرون، والثائرون في جبال بلغاريا يحاربون الاحتلال حرب عصابات. فنشأ في جو الثورة والمقاومة. وفي هذا الجو درس حتى نهاية المرحلة الابتدائية. ثم أرسله أبوه إلى أوديسا عام 1863 للدراسة على نفقة الحكومة الروسية. ولكن بوتيف بدلاً من الانصراف إلى الدراسة عكف على قراءة مؤلفات الأدباء الروس الطافحة بروح الثورة، وانضم إلى جماعات سرية من الشبان الروس ذوي النزعات الثورية. فأدى ذلك إلى طرده من روسيا وهو بعد في السابعة عشرة من عمره.
 
كانت روح الثورة قد أخذت تسيطر على وجدانه، وتوجه ميوله وتصرفاته. وكان طغيان الاحتلال العثماني الذي يسوم شعبه وبلده عسفاً، يلهب في نفسه هذه الروح الثورية المتمردة، التي تنزع إلى الحرية والاستقلال.
 
وعاد بوتيف إلى مسقط رأسه وعمره تسعة عشر عاماً، وأخذ مكان والده في التدريس. وفي عمله هذا راح يزيد من اتصالاته بالشبان، وينظمهم في جماعات صغيرة للتدرب على استخدام السلاح من أجل مقارعة الحكم الغريب. وكان لا بد له من أن يصادف المتاعب والمصاعب من الحكم القائم، ومن عملائه وأنصاره الذين ضايقتهم تصرفات بوتيف وأعماله الوطنية.
 
فلم يجد له بداً من الهرب إلى رومانيا. وكان قد لجأ إليها قبله كثير من قومه البلغار طلباً للحرية، وهرباً من الظلم، ورغبة في الإعداد للمقاومة. كان بوتيف قد بدأ ينظم الشعر الوطني، ويلهب به في نفوس الشبان المتوثبين للحرية. وأخذت قصائده تتردد على ألسنة الجماهير في كل مكان من بلغاريا.
 
وفي بوخارست ذاق حياة التشرد والفاقة القاسية المريرة. وكان يعيش هناك مع صديقه وزميله الثائر الشاب (فاسيل ليفسكي). وهذه الفترة يصفها بوتيف في رسالة إلى أحد أصدقائه، نترجمها في ما يلي عن مجلة (أبزور – العدد 2 عام 1973) من اللغة الإنجليزية:
 
" أكتب إليك لأخبرك يا صديقي أنني أقمت هنا (في بوخارست) وفي نيتي أن أصبح معلماً في المدرسة البلغارية غير أنني منيت بالخيبة المرة. لقد وقعت في ظروف عسيرة جداً أكاد لا أستطيع معها تصوير حالتي البائسة. إنني شديد الإفلاس. والأسمال البالية التي لدي لا تصلح لكي أرتديها بعد الآن، وأخجل من أن أظهر بها في الشارع. إنني أقيم في طاحونة مفتوحة للرياح في ضواحي بوخاريست مع صديقي ومواطني فاسيل ليفسكي. وفي الخير أن لا تسألني ماذا تأكل، لأننا لا نجد غير الخبز وحده مرة كل يومين أو ثلاثة أيام لنسد به جوعنا.. إنني أفكر في أن ألقي محاضرة في (نادي المحبة الأخوية للمصالحة) في أحد هذه الأيام، ولكنني لا أدري بأية ثياب يمكنني أن أظهر هناك. وعلى الرغم من هذا الموقف الحرج لم أفقد جرأتي وشرفي.. وأما صديقي ليفسكي الذي يقاسمني مكان إقامتي، فإن له مزاجاً عجيباً لا يصدق: فحين تسوء الأمور معنا إلى حدها الأدنى، نجده مرحاً كما لو كانت الأمور على أفضل ما تكون، وحين يكون البرد في الخارج قاتلاً، ونكون في أشد حالات الجوع منذ يومين أو ثلاثة تراه يغني فرحاً قريراً. إنه يغني ونحن في السرير مساء، ويغني في اللحظة التي يفتح بها عينيه صباحاً. ومهما يكن مبلغ قنوطك، فإنه يمرح أمامك بحيث يجعلك تنسى حزنك وألمك. إنه لمن الممتع حقّاً أن يعيش المرء مع مثل هذا المزاج!".

الصفحات