في هذه المجموعة الخصبة بتفاعلات الذكورة والأنوثة، والإرادة والرَّغبة، تحمل ذكريات حرب قضية المرأة أساساً ركيزياً ومحرِّكاً للحدث القصصي، وهي بذلك تتوازى مضمونياً مع تراث هائل تناول تبخيس المرأة في تكسُّرها وتطوُّرها.
أنت هنا
قراءة كتاب سفر بلا غبار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
وكما تُشبع الفكرةُ استقصاءً لبواعث الشخصية داخل الحدث القصصي، فإنَّ ذكريات حرب في نماذج القصة القصيرة جداً -التي تشكِّل الوجه الثاني من فنِّيَّة تجربتها في هذه المجموعة – تقدح في وجدان القارئ إيماضة سريعة مما قد يلتقيه عابر السبيل في الحياة من مواقف ومشاهد تثير الاستغراب، وتستحقُّ التأمُّل، فيطلق خياله وذاكرته لاكتشاف المفارق المدهشة إزاء تحوّلات الشخصية القصصية في واقعها، ويتسع المقام هنا للوقوف على هذا المثال الذي يحمل أقصى درجات المفارقة في الحدث: "لم تعِ أنَّ زوجها الذي هدَّدها مراراً بالزواج من أخرى قد ذبحها منذ ثلاثين عاماً عندما اكتشفت بالصدفة بين أوراقه شهادة طبيَّة تثبت عقمه..".
وثمة ملمح يستشعره القارئ في هذه المجموعة، وهو انمحاء أسماء الشخصيات، الذكوريَّة والأنثوية، على السواء. وذا التنكير للشخصيات له دلالته في أن هذه الشخصيات رموز متجسِّدة في واقع يستلبها حتى أخص خصائصها، ويجرِّدها من هُويَّتها المعرِّفة بها، وهو الاسم، وهذا ما يؤكِّد ما ألمحنا إليه من "بطولة الفكرة" التي تقوم عليها قصص ذكريات حرب في هذه المجموعة، بعيداً عن أدلجة قضية المرأة .
وسعادتي بصدور هذه المجموعة، سعادة مركَّبة؛ فهى أوَّلاً نابعة من أن ذكريات في هذه المجموعة لها مناخها الخاص وأسلوبها البعيد عن مشايعة الأنماط القصصية السائدة في الكتابة الأنثوية. وثانياً في قدرة ذكريات على الانتصار على الوقت لإصدار مجموعتها في غمرة انشغالها الوظيفي والإعلامي. فذكريات في قصصها هنا لا تكتفي بالوقوف على الساحل، بل تغوص عميقاً في بحر القصة القصيرة لتمسك بسمكة الفكرة. وحين يفرغ القارئ من قراءة هذه المجموعة سيدرك الفرق بين المجاملة والقناعة.
محمد سلام جميعان