كتاب "الحركة العمالية في تونسنشأتها ودورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي (1924-1956)"، تعد دراسة الحركة العمالية في أي قطر عربي من الدراسات المهمة في مجال التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لانه من خلالها، تتضح أبعاد الواقع الاقتصادي والاجتماعي ،وما يرتبط بذلك من
أنت هنا
قراءة كتاب الحركة العمالية في تونس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
ثانياً:سياسة فرنسا في تونس بعد الاحتلال
أ:السياسية والادارية
بعد فرض الاحتلال الفرنسي أصبحت الحكومة التونسية (الباي ورجال السلطة العليا) مجرد واجهة شكلية للحكم الوطني، وأصبح المقيم العام الفرنسي ومساعدوه هو الحاكم الفعلي للبلاد وفي المجالات كافة.و تولى منصب الاقامة العامة الفرنسية القنصل روستان ثم خلفه الجنرال بول كامبون، وكان من اختصاصات المقيم العام حتى بعد توقيع معاهدتي باردو والمرسى الكبير، التوجيه والارشاد في ادارة البلاد الداخلية، لكن الامر اختلف بعد ذلك اذ أصبح المقيم العام هو صاحب الكلمة الاولى في تونس، ولم تكتف الحكومة الفرنسية بذلك بل أصدرت مرسوماً في عام 1884 يوسع مناختصاصات المقيم العام، ويعين مدراء في الوزارات التونسية كخبراء أو مستشارين، لكن معظم الوزارات الغيت ولم يبق سوى منصب رئيس الوزراء و وزير القلم(28).وقد استمرت الوزارات على هذه الحالة حتى بداية القرن العشرين ففي عام 1921 استحدث منصب ثالث وهو وزير العدل، أما الدوائر الاخرى كالمالية والمعارف والصحة والاشغال العامة فيتولاها مدراء فرنسيون لهم الحق في اصدار الاوامر الوزارية.وينضم الى مجلس المقيم العام قائد الجيش البري، ثم أضيف اليه قائد قاعدة بنزرت البحرية الذي اصبح كوزير الدفاع، بعد أن صارت تلك القاعدة من أكبر القواعد البحرية في المغرب العربي(29).
وهناك منصب سكرتير الاقامة وهو حلقة الاتصال بين الوزراء التونسيين والمدراء الفرنسيين، وبصيغة أخرى كان هو المسؤول عن تسيير شؤون الوزارات التي بقيت بيد التونسيين (30).وتتولى حكومة الجمهورية الفرنسية اصدار المراسيم التشريعية للجالية الفرنسية حسب مرسوم عام 1883،وهذا هو أساس المبدأ الذي تمسك به المستوطنون الفرنسيون، وسموه فيما بعد بالسيادة المزدوجة (Co souverainle (31.أما من حيث التشريع فقد لعب الفرنسيون، دور المشرع في القوانين والتشريعات التونسية، واستأثروا بها لتدعيم سياستهم وتقوية شوكة مواطنيهم، فعمدوا الى تجميع السلطات المملوكة للمحاكم القنصلية بين يدي المحكمة الفرنسية، والقنصليات المتفرعة عنها، بمقتضى القانون الفرنسي المؤرخ في السابع والعشرين من اذار/1883 والنافذ المفعول في الثامن عشر من نيسان/ 1883(32).اما الباي فكانت سلطته اسمية، لكن الفرنسيين ادعوا بأن للباي حق التشريع وهو صاحب السلطة المطلقة فيه، وبالتالي له حق تفويضها لمن يشاء، وبموجب معاهدة المرسى، فقد فوض الباي المقيم العام الفرنسي حق تشريعها، ولذلك فهو يشرع المراسيم ثم يصدرها بعد توقيع الباي عليها.وقد وجد الاحتلال الفرنسي في أول عهده منذ عهد علي باي (1882-1901) منفذاً طليقاً لسياستها(33).
وقسمت تونس الى (19) قيادة، وألحق بكل واحدة قائد عسكري، ومشرف مدني فرنسي، في حين تولت السلطات العسكرية ادارة المناطق الجنوبية بصورة مباشرة، الى أن هدأت المقاومة التونسية التي بدأتها القبائل العربية، فقسمت هي الاخرى الى قيادات مدنية سنة 1894(34).
أما عن وظائف الدولة، فقد تغلغل الفرنسيون في أصغر الوظائف غير مراعين اختلاف طبيعة نظام الحماية عن المستعمرة (35)، حيث جعلت الحكومة الفرنسية جميع الوظائف ذات الاهمية في الادارة بيد الفرنسيين وشجعت الفرنسيين عن طريق منحهم علاوات مختلفة (سكنية وتعليمية وصحية وتعويضات سفر الخ..) والموظف الفرنسي العامل في تونس كانت له (ثلاثة واربعون) صنفاً من العلاوات التي تبلغ 75% من ميزانية الدولة التونسية(36).
ان الحماية الفرنسية حالت دون مشاركة التونسيين في أي نشاط سياسي واداري والمظهر الوحيد لاشراك التونسيين في الحياة العامة يتمثل في قيام المجالس البلدية في المدن بقاعدة مناصفة المقاعد بين الجالية الاوربية والتونسيين.وفي عام 1896 أسس مجلس شورى يؤخذ رأيه في سبيل الاستشارة في سياسة البلاد الاقتصادية وظل هذا المجلس مقتصراً على المستوطنين فيختارون ممثليهم من بين اعضاء الغرف التجارية والصناعية واعضاء المجالس البلدية، وحين سمح للتونسيين بدخول هذه المجالس للمرة الاولى سنة 1907 جعل تمثيلهم بالتعيين فيختار المقيم العام (16) منأهل البلاد (37)، وعلى الرغم من كونهم أقلية في المجلس فقد لوحظ ارتفاع أصوات المعارضة في وجه الممثلين الاوربيين لذلك تقرر جعل هذا المجلس قسمين يجتمع كل منهما على حدة وظل الفصل بين الاعضاء التونسيين والاوربيين هو القاعدة التي سارت عليها المجالس البلدية والتشريعية في تونس(38)، واستمر هذا الوضع قائماً الى أن ظهر ضغط الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الاولى (1914-1918) فأدخلت بعض التعديلات على هذه المجالس لكنها كانت بعيدة عن الاستجابة للرغبات الوطنية(39).