كتاب "الحركة العمالية في تونسنشأتها ودورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي (1924-1956)"، تعد دراسة الحركة العمالية في أي قطر عربي من الدراسات المهمة في مجال التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لانه من خلالها، تتضح أبعاد الواقع الاقتصادي والاجتماعي ،وما يرتبط بذلك من
أنت هنا
قراءة كتاب الحركة العمالية في تونس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
ج:الاقتصادية
يعد الاستغلال الاقتصادي من أول دوافع السيطرة الاستعمارية على البلدان فكانت مهمة الاستعمار في مستعمراته هي تثبيت أقدامه فيها وابقاؤه على معالم المجتمع القديم والقضاء على امكانيات الشعب لتطوير اقتصاده وبناء قاعدة صناعية مستقلة، ما عدا تطوير بعض مراكزه الاقتصادية التي تكون له أسواق لتصدير منتوجاته وتنشيط تجارته، لقد تميز الاقتصاد التونسي في العهد الاستعماري بشدة ارتباطه بالاقتصاد الفرنسي، ومن ذلك ان التجارة الخارجية كانت أساساً مع منطقة الفرنك، بوجه عام وفرنسا بوجه خاص اذ تضمن تصدير المواد الخام واستيراد المواد المصنعة(54).
ان غاية الاستعمار هي الاستيلاء على ثروة البلاد وتوجيه السياسة الاقتصادية فيها، من انتاج وتداول وتوزيع نحو تحقيق دولة الاحتلال على حساب البلد المحتل، وللوصول الى هذه الغاية تستقي النظم والقوانين الملتوية، وتتخذها أداة لتنفيذ أغراضها الاستعمارية، وقد بادرت فرنسا منذ احتلالها لتونس الى وضع يدها على عناصر الانتاج والتداول، وأطلقت يد الفرنسيين والاجانب في تونس مهيئة لهم سبل اغتصاب ثروة البلاد والدخل القومي، مما أدى الى اختلال التوازن الاقتصادي وانخفاض مستوى المعيشة بين الاهالي، وقد شمل التدخل الفرنسي من هذه الناحية جميع فروع الانتاج الزراعة والصناعة والتجارة(55).
ولما كانت فرنسا مهد القانون الحديث وعليه فان مشرعيها لم يعدموا الحيلة القانونية لانتزاع الاراضي من العرب، فاتخذوا القانون مطية لتنفيذ أغراض الجشع الاستعماري وانتهجت سياسة السلب والنهب في تونس وألبستها ثوباً من المشروعية، ولاجل أن تسيطر فرنسا كلياً على الحياة الاقتصادية في البلاد وجهت همها الى الاستيلاء على الاراضي الزراعية، واتخذت كافة الوسائل ومن ضمنها اصدار القوانين والتشريعات لانتزاع الاراضي من يد أهلها الاصليين(56).
واكتفت فرنسا في أول الامر بتشجيع الاستعمار الحر وكانت المشكلة في ايجاد وسيلة تطمئن الراغبين في استغلال الاراضي على ثبوت ملكيتهم وحريتهم في التعامل عليها، وفي سنة 1885 تقرر تطبيق نظام تورنر(57)، وبمقتضاه يستطيع المالك لقطعة الارض أن يضمن ملكيته لها من خلال تسجيلها في محكمة مختلطة، والمحكمة أنشئت خصيصاً لهذا الغرض وذلك بعد بيان حدودها ثم الاعلان عنها (58)، ويحتفظ بصورة من صحة الملكية في سجل خاص بالمحكمة للرجوع اليه في حالة ارادة المالك التصرف في قطعة الارض بالبيع، وبهذا يطمئن المشتري الجديد على عدم امكان ادعاء شخص آخر ملكية العقار(59).وعلى الرغم من هذه التسهيلات فقد وجد أن نظام الاستعمار الحر لم يشجع سوى عدد قليل من الفرنسيين على الهجرة والعمل في المجال الزراعي فضلاً عن أن هذا العدد القليل كان ينتمي الى كبار الرأسماليين الذين يشترون مساحات واسعة من الاراضي ويؤجرونها للسكان الاصليين أو للاوربيين أو من الاجناس الاخرى(60).
مكنت الادارة الفرنسية للمعمرين الفرنسيين أيضاً الحصول على مساحات شاسعة من الاراضي والغابات، اذ بيعت لهم بأسعار زهيدة ويكون الدفع طويل الامد، واتخذت السلطات الفرنسية فضلاً عن ذلك خطوات منها اصدار مرسوم عام 1892 الذي يقضي بضم الاراضي البور الى ملكية الدولة،وقد أدى ذلك الى الاستيلاء على مساحات شاسعة من الاراضي في الجنوب حول صفاقس، حيث استطاع الاوربيون أن يشاركوا في انتاج الزيتون وهو أهم مورد للسكان الاصليين قبل الاحتلال(61).
بلغت مساحة الاراضي التونسية الصالحة للزراعة سبعة ملايين من الهكتارات من مساحة تونس التي تقدر بـ(12) مليون ونصف من الهكتارات، وكانت هذه الاراضي قبل الاحتلال تحت تصرف أهل تونس يعيشون على انتاجها، ومن تربية المواشي في مراعيها، وكان بعضها ملكاً للدولة أوللافراد أو للقبائل أو للاوقاف العامة والخاصة، ومع احتلال الفرنسيين لتونس فانهم أخذوا يفكرون في أحسن الوسائل لهجرة العنصر الاوربي اليها واستيطانها من دون مراعاة اختلاف الوضع القانوني بين الحماية والمستعمرة(62)، ولكن لم يكن من المعقول أن تلجأ الحماية الى سياسة الاستعمار الرسمي في حين هي تريد أن تثبت للرأي العام الفرنسي أن تونس لاتكلف حكومتهم شيئاً (63)، ومن الطبيعي أن تؤدي سياسة الاستعمار الرسمي الى ضرورة مساعدة الدولة ماليآ لاستعمار تونس، ففي سنة 1897 أنشئ صندوق لمساعدة صغار المهاجرين، ثم اعتمدت الجمعية الوطنية مبلغسبعة ملايين ونصف فرنك لتغطية نفقات الهجرة والاستغلال، ومع ذلك فان نتائج الاستعمار الزراعي في تونس كانت ضئيلة حتى الحرب العالمية الاولى، اذ بلغ عدد المشتغلين في الزراعة 1708في عام 1911، وكان المقصود من هذه الهجرة الرسمية هي موازنة العنصر الايطالي(64).فقد روعي في توزيع الاراضي الزراعية على أكبر عدد ممكن من المراكز مما حال دون قيام قرى اوربية خالصة.