أنت هنا

قراءة كتاب الحركة العمالية في تونس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحركة العمالية في تونس

الحركة العمالية في تونس

كتاب "الحركة العمالية في تونسنشأتها ودورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي (1924-1956)"، تعد دراسة الحركة العمالية في أي قطر عربي من الدراسات المهمة في مجال التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لانه من خلالها، تتضح أبعاد الواقع الاقتصادي والاجتماعي ،وما يرتبط بذلك من

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 7
ب: الهجرة والتجنيس:
 
شجعت فرنسا منذ بداية احتلالها لتونس، مواطنيها على الهجرة الى تونس بعد أن وضعت أمام أعينهم كل المغريات المادية، ولما كانت ايطاليا أقرب الى تونس فقد تعرضت البلاد للهجرة الجماعية من كلا البلدين، ناهيك عن هجرة أعداد كبيرة من المالطيين.وقد استمرت الهجرة والاستيطان الاجنبي والفرنسي والايطالي خاصة طوال سنوات الاحتلال.ويوضح الجدول ذو الرقم -1- أعداد المهاجرين من فرنسا وايطاليا ومالطا(40).
 
(41)
 
وبعد عام 1926 تزايدت أعداد المهاجرين من فرنسا وايطاليا خاصة، حتى وصلت الى (160) ألف مستوطن فرنسي و(89220) ألف مستوطن ايطالي (42). كان التوسع في سياسة الهجرة الاوربية شديد الخطورة على تونس نظراً لقلة كثافة السكان، فلم يزد التونسيون منذ بداية الاحتلال وحتى قبل الحرب العالمية الاولى عام 1914 عن مليون ونصف(43).
 
قام الاوربيون بالاستيلاء على قسم كبير من الاراضي الزراعية وقد حال ذلك دون تقدم التونسيين المادي وحتى عهد قريب اذ كانت تتكرر المجاعات بصورة منتظمة، وخاصة بعد الحرب العالمية الاولى(44). ولم يكتف المستوطنون الفرنسيون بالاستيطان والاستيلاء على الارض بوجودهم فيها بل نافسوا التونسيين في الوظائف حيث بلغ عدد الموظفين الفرنسيين (60) ألفاً في حين لايزيد عدد التونسيين على الخمسة الاف، الى جانب هؤلاء كان يوجد الايطاليون والمالطيون الذين تزايدوا تدريجياً (كما وضح في جدول-1-) مما أثر سلباً في حالة الاقتصاد التونسي وعرض البلاد للازماتالاقتصادية(45).أضف الى ذلك محاولة جعل تونس فرنسية من خلال (قانون التجنيس).
 
أصدرت فرنسا في عام 1865 قانوناً يبيح لكل تونسي مسلم أن يتمتع بحقوق المواطن الفرنسي اذا تقدم بطلب ذلك، وفي هذه الحالة يصبح خاضعاً للقانون المدني الفرنسي في جميع أحكامه.ومعنى ذلك أن التونسي اذا أراد أن يباشر حقوقه السياسية فعليه أن يتنازل عن القواعد والحقوق التي جاءبها الاسلام وجرى بها الشرع والعرف بين المسلمين في جميع الانحاء على اختلاف العصور (46)، ومنذ عام 1897 أعطت فرنسا تسهيلات كبيرة في منح الجنسية الفرنسية حيث تمكن الاقامة في تونس للاجانب مدة (3) سنوات بعدها يمنح حق التجنس بالجنسية الفرنسية، ثم حاولت الحكومة الفرنسية اصلاح هذا القانون في سنة 1919 فاشترطت للتمتع بحقوق المواطن الفرنسي أن يكون التونسي عزبآ أو متزوجاً من واحدة فقط كما اشترطت الا يقل العمرعن (25) سنة، وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، وأن يكون ملماً بالقراءة والكتابة باللغة الفرنسية،أو موظفاً عاملاً في الحكومة أو بالمعاش(47).
 
أصدرت فرنسا في حزيران عام 1898 القانون القاضي بأن الفرنسية التي تتزوج من أجنبي لاتتبع جنسية زوجها الا اذا كانت قوانين الدولة التي ينتمي اليها الزوج تنسب اليها جنسيته، علماً بأن تونس ليس في وسعها اصدار قانون سحب جنسية الزوجة الفرنسية المتزوجة من تونسي (48).
 
وفي عام 1921 سحبت الجنسية التونسية وومنحت بدلاً منها الفرنسية للاجانب الذين ولد أجدادهم بتونس عدا الايطاليين الذين أبقيت لهم امتيازات قانونية خاصة، ومثل هذه الاجراءات قصد بها الاستلاب والتغريب المفروضة على الشعب التونسي(49)، وفي العشرين من كانون الاول/ 1923صدر في تونس قانون بفتح التجنيس لكل من يبعث طلباً يظهر فيه عواطف فرنسية، واعداً اياهم بالتمتع بالامتيازات التي يتمتع بها الفرنسيون(50)، وحاولت فرنسا تجنيس التونسيين بصورة جماعية فضلاً عن تجنيس الجاليات الاوربية الموجودة في تونس(51).وكان المقصود من اعلان القانون وتنفيذه الاجهاز على الوطنية والشخصية العربية الاسلامية لتونس بشكل قانوني، لاتمام عملية الدمج والالحاق المفروض بالقوة.
 
ولما تعذر على فرنسا تطبيق مبدأ ((الفرنسة))بحذافيره اضطرت أمام ضخامة المشروع أن تعمد الى سياسة أخرى أقل عمقاً من سياسة التجنيس والادماج وهي سياسة المشاركة، ولا تتطلب هذه السياسة أن يتنازل التونسي عن قانون أحواله الشخصية لكي يصبح مواطناً فرنسياً، بل تركت له أن يجمع بين الميزتين وقد أرادت فرنسا بهذا النظام أن تجتذب الصفوة الممتازة من الاهالي فتحملهم على ((التفرنس)) وتترك سواد الشعب يتقدم على مهل، مع العمل على اعمام اللغة الفرنسية وتحسين مستوى الشعب الاجتماعي بقدر ما تسمح به الظروف(52).
 
ان الشعب التونسي كان واعياً لخطر التجنيس، ولشدة تمسكه بلغته ودينه وقوة اعتزازه بحضارته الاسلامية، فوت الفرصة على تمرير الخطة الاستعمارية الخبيثة، وانكشفت دوافعها بسهولة، فقاومها الرأي العام واعتبر المتجنس من أبناء البلاد مرتداً عن الدين، بل حتى اذا مات لايدفن في المقابر الاسلامية ولايصلى عليه (53). وبذلك لم تنجح عملية التجنيس بالرغم من قوة السلطة التي خططت لها وذلك لان الشعب كان واعياً ومعتزاً بانتمائه الحضاري العربي الاسلامي.

الصفحات