أنت هنا

قراءة كتاب اللغة العربية في مرآة الآخر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اللغة العربية في مرآة الآخر

اللغة العربية في مرآة الآخر

استحوذت اللسانيات الغربية عامة واللسانيات الأمريكية خاصة على الدراسات اللغوية العربية، ولا سيّما بعد ظهور النظرية التوليدية التحويلية، وأصبح تطبيق المقولات النظرية المستفادة من تلك اللسانيات بمدارسها المختلفة المتعاقبة -ولا يزال- تياراً سائداً وعنواناً رئيس

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
العربية بمرآة الآخر
 
وقد أَعْقَبَتْ هذه التجربة لديّ مَطْمحا وسؤالا ؛ أما المطمح فهو أن أنقب في أعمال نحاة العربية خاصّة، وأعارض ما ورد في أنظارهم بما يتداوله اللسانيون هناك من أنظار· وقد أنشأت في ذلك كتابي نظـرية النحو العربيّ في ضوء مناهج النظر اللغـوي الحديث، كما استأنست بالتراتيب والتدابير والشروط المستفادة بعلم التخطيط اللغوي في إنجاز مشروعٍ لِجَعْل الفصحى لُغةَ محادثة في كتابي : قضية التحوّل إلى الفصـحى في العالم العربي الحديث·
 
أما السؤال فبقي معلقا، وذلك أنني، لم أجد للعربية حضورا يليق بما لها عندنا من المنزلة وما أنجزه علماؤها من الأعمال الجليلة·
 
ثم انغمست فيما انغمس فيه معظم الدارسين العرب الذين أيقنوا بجدوى الأنظار اللسانية في مقاربة إضافية للظاهرة اللغوية العربية، وكان لنظرية تشومسكي التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، أسطع بريق يخطف أنظار الدارسين العرب، وأصبح البحث اللساني العربي السائد يقوم على المزاوجة بين العربية موضوعا وإحدى النظريات اللسانية منهجا· وما يزال هذا شأن جُلّ الدراسات اللغوية في العربية·
 
وليس استطرادا محمودا أن أستقصي القول في أعمال أنجزتها في هذه السبيل، وليس استقصاء محدودا أن أستقري ما أنجزه اللسانيّون العرب في هذا المنحى· أما فيض الرسائل الجامعية التي تجري في هذا الاتجاه فمحتاج إلى بحث مفرد مستقلّ· وكأنما أصبح عنوان الدرس اللغوي العربي السائد هو : اللسانيات في خدمة اللغة العربية، أو التطبيقات اللسانية على اللغة العربية· بل أصبح عَلَم المؤتمرات والملتقيات اللسانية التي تعقد في الوطن العربي وفي أوساط المشتغلين بالعربية في أمريكا·
 
وإذا كان هذا شأن الدراسات الجارية هذه الأيام، فإن شأنها منذ أربعينيات القرن الماضي إلى ظهور المدرسة التوليدية التحويلية لم يكن مختلفا· ذلك أنّ الدراسات العربية، من قبل، قد نَحَتْ هذا المنحى الاتّباعي فأُنْجزت في سياقها دراسات تاريخية ومقارنة، ولكنّ المنهج الوصفي وخاصة في المدرسة الإنجليزية قد غلب على المشهد اللغوي العربي، وروّج تلاميذه لمنهجه ترويجا ذائعا متعارفا· ولكنّ حقّا أن نذكر لأتباع هذا المنهج أنهم قدموا نموذجا لدرس اللغة درسا علميا، وهو نموذج ما يزال دليلا هاديا لكلّ من يتصدّى لدرس مَظْهَرٍ لغـوي أو ظاهرة لغوية، إذ أصبح النظر إلى اللغة على أنهـا نظام كلّي ينتظم مستويات معلومة ؛ مستوى صوتيا، ومستوى فونولوجيا، ومستوى صرفيا، ومستوى دلاليا، ومستوى أسلوبيا···· أصبح هذا النظر مرجعا جامعا مشتركا لدى المشتغلين بالعربية درسا وتدريسا·
 
ولكن ممّا يحتمله المقام هنا أن هذه الحقبة قد شهدت، على فوائدها الجمّة وما تنطوي عليه من أدلّة كلية وبصائر منهجية، قد شهدت مِثْلَ الحال السائدة هذه الأيام، بل بالغ بعض الذين درسوا العربية في تلك الحقبة حتى لقد جعل بعضهم المنهج الوصفي أحسن المناهـج في تناول اللغة· (كما في بواكير أعمال إبراهيم السامرائي)، واتخذ بعضهم منهج التحليل الشكلي حَكَما على أعمال النحاة العرب كما في كتاب عبد الرحمن أيوب (دراسات نقدية في النحو العربي)·
 
وقد جدّد امتدادُ هذا المنحى في الدرس اللغوي السؤالَ من أوّل· وحقا أن سجّل الدراسات اللغوية الحديثة من الجانب العربي وتأريخها تأريخا مفصّلا جدير ببحوث مفردة، ولكنيّ أختزله لغايات هذه المقالة تحت عنوان وجيز واحد هو : العربية بمرآة الآخر· وأستعمل (الباء) هنا للاستعانة ولا أتوسّع توسّعَ مَنْ يقيمها مقام (في) ؛ لأن ذلك يُعْقِب لَبْسا أحرص على تجنّبه أشدّ الحرص ؛ لأن السؤال النهائي لهذا الكتاب يقوم على تلمّس صورة العربية لدى الآخر كما يراها هو في مرآته·

الصفحات