ما الأساس والاشتقاق الذي ربط معنى كلمة التاريخ، بالأحداث؟ والتاريخ بالعربية ترجمة للفظ Istoria بالإغريقية القديمة، ولفظ Historia باللاتينية لغة الرومان، وكذا History بالإنجليزية الحديثة، Histoire بالفرنسية الحديثة.
أنت هنا
قراءة كتاب مفاتيح علم التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مفاتيح علم التاريخ
وقلما أن تجد كتاباً من تاريخ العلماء المسلمين دون ذكر أهمية التاريخ وضروراته، سواء كان تاريخاً عاماً أو محلياً، أو طبقات وخطط. فيقول البيهقي عنه مثلاً في تاريخ بيهق: [غزير النفع، كثير الفائدة، بحيث يكون من عرفه كمن عاش الدهر كله، وجرب الأمور بأسرها، وباشر تلك الأحوال بنفسه، فيغزر عقله، ويصير مجرباً غير غر، ولا غمر].
ويظل الاهتمام يزداد بعرض فلسفة التاريخ وفوائده، والغرض من دراسته سواء في كتب التاريخ المتخصصة، أو التي تتناول موضوعاً آخر من العلوم الإسلامية، فيقول عنه أبو القاسم محمد بن يوسف المدني في كتاب عن فقه الحنفية يسمى " تاريخ بلخ": [ فيه إحياء ذكر الأولين والآخرين من علمائها والطارئين عليها، فإن ذكرها حياة جديدة، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً].
وسار المؤرخون على هذا المنوال، يكتبون مقدمة تواريخهم، بآرائهم عن التاريخ وفؤائده، ولعلنا ترى ذلك واضحا في الموسوعة التاريخية الكبرى التي كتبها أبو الحسن علي بن محمد بن عبدالكريم بن الأثير (ت 630هـ) والذي يسمى " بالكامل "، فيقول ( إن فوائده كثيرة، ومنافعه الدنيوية والأخروية غزيرة) ثم عرض عرضاً شيقاً لهذين الأمرين، بدأهما بالأمر الدنيوي، الذي ذكر فيه فكراً فلسفياً اجتماعياً وإنسانياً فيقول: [ إن الإنسان لا خفاء به يحب البقاء، ويؤثر أن يكون في زمرة الأحياء، فياليت شعري أي فرق بين ما رآه أمس أو سمعه، وما قرأه في الكتب المتضمنة أخبار الماضين وحوادث المتقدمين، فإذا طالعها فكأنه عاصرهم، وإذا علمها فكأنه حاضر عنهم، ومنها أن الملوك ومن إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا ما فيها من سيرة أهل الجور والعدوان، ورأوها مدونة في الكتب يتناقلها الناس غيرويها خلف عن سلف، ونظروا إلى ما أعقبت من سوء الذكر وقبح الأحدوثة، وخراب البلاد، وهلاك العباد، وذهاب الأموال، وفساد الأحوال، استقبحوها، وأعرضوا عنها، وطرحوها].. ثم استكمل مقدمته إلى أن وصل: [ ومنها ما يحصل للإنسان من التجارب والمعرفة بالحوادث، وما تصير إليه عواقبها، وأنه لا يحدث أمر إلا وقد تقدم هو أو نظيره فيزداد عقلاً، ويصبح لأن يقتدي به أهلاً].
أن فلسفة التاريخ، وفوائده بلغت نضوجها وتعدد الآراء في القرنين الثامن والتاسع الهجري (الرابع عشر، والخامس عشر الميلادي). فنقرأ آراء لكبار الكتاب المسلمين يستخدمها الغرب في صياغة أخرى بعدهم بقرون لا سنوات، ويكاد المرء الذي لم يسبق له دراسة التاريخ يرى أنها آراء حديثة وهي في واقع الأمر آراء وأفكار علماء المسلمين، سبق تناولها وتوضيحها وعرضها في كتبهم التي ما زالت حبيس الخزائن الشرقية والغربية، واستطاع بعض الغربيين والمستشرقيين الاستفادة منها وقدموها في صياغة جديدة، بعد أن شوهوا ما جاء بالمصادر، ومن الإنصاف أن تقول بعض، لأن البعض الآخر قدمها وفقاً للأمانة العلمية، وأعادها إلى أصحابها الأصليين.

