أنت هنا

قراءة كتاب التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

كتاب "التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول"، هذه تعليقات جليلة، وحاشية ذات قدر وفضيلة، جمعتها من كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني _ وهو أحمد بن حنبل الثاني _ على مختصر في الأصول معتمد، وهو «منهاج الوصول» للقاضي البيضاوي، وهو كتاب ذو شروح

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

(1) هل الفقه من باب الظنون؟

قال البيضاوي: «والفقه: العلم بالأحكام الشرعية العملية، المكتسب من أدلتها التفصيلية، قيل: الفقه من باب الظنون، قلنا: المجتهد إذا ظن الحكم؛ وجب عليه الفتوى والعمل به؛ للدليل القاطع على وجوب اتباع الظن، فالحكم مقطوع به، والظن في طريقه».
أقول: هذا تعريف للفقه بأنه العلم بالأحكام، ثم اعتراض على تعريف الفقه بأنه علم؛ لأن الفقه ظن، ثم سلم البيضاوي أن الفقه من باب الظنون، وقال: «إن الفقيه إذا وجد الظن في مسألة؛ فالدليل القاطع دل على وجوب عمله به، وأيًّا كان الجواب؛ فإنه لا يخرج عن التسليم بأن الفقه ظن من الظنون».
وشيخ الإسلام بين أن تسمية الفقه ظنًّا خطأ، وأن الغالب على المسائل الفقهية أنها معلومة، أو أنه يمكن تحصيل العلم بها؛ فهي إما معلومة، وإما يمكن أن نحصل العلم بها غالباً.
وهذا تحقيق نقله في كتاب «الاستقامة» في التعليق على هذه المسألة:
قال _ رحمه الله _ «الاستقامة» (1/50_69).: «ثم إنهم صنفوا في أصول الفقه، وهو علم مشترك بين الفقهاء والمتكلمين، فبنوه على أصولهم الفاسدة، حتى أن أول مسألة منه، وهي الكلام في حد الفقه لما حدوه بأنه العلم بأحكام أفعال المكلفين الشرعية، أورد هؤلاء؛ كالقاضي أبي بكر، والرازي، والآمدي، ومن وافقهم من فقهاء الطوائف؛ كأبي الخطاب _ وغيره _ السؤال المشهور هنا، وهو أن الفقه من باب الظنون؛ لأنه مبني على الحكم بخبر الواحد، والقياس، والعموم، والظواهر، وهي إنما تفيد الظن، فكيف جعلتموه من العلم؛ حيث قلتم: العلم؟
وأجابوا عن ذلك بأن الفقيه قد علم أنه إذا حصل له هذا الظن؛ وجب عليه العمل به؛ كما قال الرازي: (فإن قلت: الفقه من باب الظنون، فكيف جعلته علماً؟ قلت: المجتهد إذا غلب على ظنه مشاركة صورة لصورة في مناط الحكم؛ قطع بوجوب العلم بما أدى إليه ظنه، فالعلم حاصل قطعاً، والظن واقع في طريقه).
وقد ظن طائفة من الفقهاء الناظرين في أصول الفقه أن هذا الجواب ضعيف؛ لقوله: (العلم حاصل قطعاً، والظن واقع في طريقه).
قالوا: والحكم بالنتيجة يتبع أضعف المقدمات وأحسن المقدمات، فالموقوف على الظن أولى أن يكون ظنًّا.
وليس الأمر كما توهموا؛ بل لم يفهموا كلام هؤلاء؛ فإن هذا الظن ليس هو عندهم دليل العلم بوجوب العلم به، ولا مقدمة من مقدمات دليله، ولكنهم يقولون: قامت الأدلة القطعية من النصوص والإجماع مثلاً على وجوب العلم بالظن الحاصل عن خبر الواحد والقياس، وذلك العلم حصل بأدلته المفيدة له، لم يحصل بهذا الظن ولا مقدماته.
لكن التقدير: إذا حصل لك أيها المجتهد ظن؛ فعليك أن تعمل به، وحصول الظن في النفس وجدي، يجده المرء في نفسه ويحسه؛ كما يجد علمه ويحسه، فمعرفته بحصول الظن يقيني، ومعرفته بوجوب العمل به يقيني، فهاتان مقدمتان علميتان: إحداهما سمعية، والأخرى وجدية.
وصار هذا كما لو قيل له: إذا حصل لك مرض في الصوم أنه يجوز لك الفطر، وإذا حصل لك مرض يمنعك القيام في الصلاة؛ فاعلم أن عليك أن تصلي قاعداً، فإذا وجد المرض في نفسه؛ علم حينئذ حكم الله بإباحة الفطر، وبالصلاة قاعداً، فهكذا وجود الظن عندهم في نفس المجتهد.
وإذا علم أن هذا حقيقة قولهم؛ تبين حينئذ فساد ما ذكروه من غير تلك الجهة، وهو أن هذا يقتضي ألا يكون الفقه إلا العلم بوجوب العمل بهذه الظنون والاعتقادات الحاصلة عن أمارات الفقه على اصطلاحهم.
ومعلوم أن هذا العلم هو من أصول الفقه، وهو لا يخص مسألة دون مسألة، ولا فيه كلام في شيء من أحكام الأفعال؛ كالصلاة، والجهاد، والحدود _ وغير ذلك _، وهو أمر عام كلي، ليس هو الفقه باتفاق الناس كلهم؛ إذ الفقه يتضمن الأمر بهذه الأفعال، والنهي عنها إما علماً، وإما ظنًّا.
فعلى قولهم: الفقه هو ظن وجوب هذه الأعمال، وظن التحريم، وظن الإباحة، وتلك الظنون هي التي دلت عليها هذه الأدلة التي يسمونها الأمارات؛ كخبر الواحد، والقياس، فإذا حصلت هذه الظنون؛ حصل الفقه عندهم.
وأما وجوب العلم بهذا الظن؛ فذاك شيء آخر، وهذا الذي ذكروه إنما يصلح أن يذكر في جواب من يقول: كيف يسوغ لكم العمل بالظن؟ فهذا يورد في أصول الفقه في تقرير هذه الطريق، إذا قيل: إنها إنما تفيد الظن، قيل: وكيف يسوغ اتباع الظن مع الأدلة الشرعية على خلاف ذلك؟
فيقولون في الجواب: المتبع إنما هو الأدلة القطعية الموجبة للعمل بهذا الظن، والعامل بتلك الأدلة متبع للعلم لا للظن، أما أن يجعل نفس الفقه الذي هو علم ظنًّا؛ فهذا تبديل ظاهر، وأتباعهم الأذكياء تفطنوا لفساد هذا الجواب.
وقد تجيب طائفة أخرى _ كأبي الخطاب وغيره _ عن هذا السؤال بأن العلم يتناول اليقين والاعتقاد الراجح؛ كقوله _ تعالى _: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) ، وأن تخصيص لفظ العلم بالقطعيات اصطلاح المتكلمين، والتعبير هو باللغة لا بالاصطلاح الخاص.
والمقصود هنا ذكر أصلين؛ هما: بيان فساد قولهم: (الفقه من باب الظنون)، وبيان أنه أحق باسم العلم من الكلام الذي يدعون أنه علم، وأن طرق الفقه أحق بأن تسمى أدلة من طرق الكلام.
والأصل الثاني: بيان أن غالب ما يتكلمون فيه من الأصول ليس بعلم ولا ظن صحيح؛ بل ظن فاسد، وجهل مركب.
ويترتب على هذين الأصلين منع التكفير باختلافهم في مسائلهم، وأن التكفير في الأمور العملية الفقهية قد يكون أولى منه في مسائلهم.
فنقول: الفقه: هو معرفة أحكام أفعال العباد؛ سواء كانت تلك المعرفة علماً أو ظنًّا _ أو نحو ذلك _.

الصفحات