أنت هنا

قراءة كتاب التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

كتاب "التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول"، هذه تعليقات جليلة، وحاشية ذات قدر وفضيلة، جمعتها من كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني _ وهو أحمد بن حنبل الثاني _ على مختصر في الأصول معتمد، وهو «منهاج الوصول» للقاضي البيضاوي، وهو كتاب ذو شروح

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

وحقيقة الأمر: أن الواجب هو القدر المشترك بين الثلاثة، وهو مسمى أحدهما، فالواجب أحد الثلاثة، وهذا معلوم متميز معروف للمأمور، وهذا المسمى يوجد في هذا المعين، وهذا المعين، وهذا المعين، فلم يجب واحد بعينه غير معين؛ بل وجب أحد المعينات، والامتثال يحصل بواحد منها وإن لم يعينه الآمر، والمتناقض هو أن يوجب معيناً ولا يعينه، أما إذا كان الواجب غير معين؛ بل هو القدر المشترك؛ فلا منافاة بين الإيجاب وترك التعيين.
وهذا يظهر بالواجب المطلق، وهو الأمر بالماهية الكلية؛ كالأمر بإعتاق رقبة؛ فإن الواجب رقبة مطلقة، والمطلق لا يوجد إلا معيناً، لكن لا يكون معيناً في العلم والقصد، فالآمر لم يقصد واحداً بعينه، مع علمه بأنه لا يوجد إلا معيناً، وأن المطلق الكلي عند الناس وجوده في الأذهان لا في الأعيان، فما هو مطلق كلي في أذهان الناس لا يوجد إلا معيناً، مشخصاً، مخصوصاً، متميزاً في الأعيان، وإنما سمي كليًّا؛ لكونه في الذهن كليًّا، وأما في الخارج؛ فلا يكون في الخارج ما هو كلي أصلاً.
وهذا الأصل ينفع في عامة العلوم، فلهذا يتعدد ذكره في كلامنا بحسب الحاجة إليه، فيحتاج أن يفهم في كل موضع يحتاج إليه فيه _ كما تقدم _، وبسبب الغلط فيه ضل طوائف من الناس، حتى في وجود الرب _ تعالى _، وجعلوه وجوداً مطلقاً: إما بشرط الإطلاق، وإما بغير شرط الإطلاق، وكلاهما يمتنع وجوده في الخارج.
والمتفلسفة، منهم من يقول: يوجد المطلق بشرط الإطلاق في الخارج؛ كما يذكر عن شيعة أفلاطون القائلين بالمثل الأفلاطونية، ومنهم من يزعم وجود المطلقات في الخارج مقارنة للمعينات، وأن الكلي المطلق جزء من المعين الجزئي؛ كما يذكر عمن يذكر عنه من أتباع أرسطو صاحب المنطق.
وكلا القولين خطأ صريح؛ فإنا نعلم بالحس وضرورة العقل أن الخارج ليس فيه إلا شيء معين مختص لا شركة فيه أصلاً، ولكن المعاني الكلية العامة المطلقة في الذهن؛ كالألفاظ المطلقة والعامة في اللسان، وكالخط الدال على تلك الألفاظ، فالخط يطابق اللفظ، واللفظ يطابق المعنى، فكل من الثلاثة يتناول الأعيان الموجودة في الخارج ويشملها ويعمها، لا أن في الخارج شيئاً هو نفسه يعم هذا وهذا، أو يوجد في هذا وهذا، أو يشترك فيه هذا وهذا؛ فإن هذا لا يقوله من يتصور ما يقول، وإنما يقوله من اشتبهت عليه الأمور الذهنية بالأمور الخارجية، أو من قلد بعض من قال ذلك من الغالطين عليه.
ومن علم هذا؛ علم كثيراً مما دخل المنطق من الخطإ في كلامهم في الكليات والجزئيات؛ مثل الكليات الخمس: الجنس، والفصل، والنوع، والخاصة، والعرض العام.
وما ذكروه من الفرق بين الذاتيات واللوازم للماهية، وما ادعوه من تركيب الأنواع من الذاتيات المشتركة المميزة التي يسمونها الجنس والفصل، وتسمية هذه الصفات أجزاء الماهية، ودعواهم أن هذه الصفات التي يسمونها أجزاء تسبق الموصوف في الوجود الذهني والخارجي جميعاً، وإثباتهم في الأعيان الموجودة في الخارج حقيقة علمية مغايرة للشيء المعين الموجود، وأمثال ذلك من أغاليطهم التي تقود من اتبعها إلى الخطإ في الإلهيات، حتى يعتقد في الموجود الواجب أنه وجود مطلق بشرط الإطلاق كما قاله طائفة من الملاحدة، أو بشرط سلب الأمور الثبوتية كلها كما قاله ابن سينا _ وأمثاله _، مع العلم بصريح العقل أن المطلق بشرط الإطلاق، أو بشرط سلب الأمور الثبوتية يمتنع وجوده في الخارج، فيكون الواجب الوجود ممتنع الوجود.
وهذا الكفر المتناقض _ وأمثاله _ هو سبب ما اشتهر بين المسلمين أن المنطق يجر إلى الزندقة، وقد يطعن في هذا من لم يفهم حقيقة المنطق وحقيقة لوازمه، ويظن أنه في نفسه لا يستلزم صحة الإسلام ولا فساده، ولا ثبوت حق، ولا انتفاءه، وإنما هو آلة تعصم مراعاتها عن الخطإ في النظر، وليس الأمر كذلك؛ بل كثير مما ذكروه في المنطق يستلزم السفسطة في العقليات، والقرمطة في السمعيات، ويكون من قال بلوازمه ممن قال الله _ تعالى _ فيه: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
والكلام في هذا مبسوط في غير هذا الموضع، وإنما يلتبس ذلك على كثير من الناس بسبب ما في ألفاظه من الإجمال والاشتراك والإبهام، فإذا فسر المراد بتلك الألفاظ؛ انكشفت حقيقة المعاني المعقولة _ كما سننبه على ذلك إن شاء الله تعالى _.
والغرض _ هنا _: أن الأمر بالشيء الذي هو لوازم لا توجد إلا بوجوده؛ سواء كانت سابقة على وجوده أو كانت لاحقة لوجوده، قد يكون الآمر قاصداً للأمر بتلك اللوازم؛ بحيث يكون آمراً بهذا وبهذا اللازم، وأنه إذا تركهما؛ عوقب على كل منهما، وقد يكون قصده _ أيضاً _ ترك الملزوم؛ لما فيه من المفسدة، وقد يكون تركه غير مقصود له، وإنما لزوماً.
ومن هنا ينكشف لك سر مسألة اشتباه الأخت بالأجنبية، والمذكى بالميت، ونحو ذلك مما ينهى العبد فيه عن فعل الاثنين لأجل الاشتباه.
فقالت طائفة: كلتاهما محرمة.
وقالت طائفة: بل المحرم في نفس الأمر الأخت والميتة، والأخرى إنما نهي عنها لعلة الاشتباه.
وهذا القول أغلب على فطرة الفقهاء، والأول أغلب على طريقة من لا يجعل في الأعيان معاني تقتضي التحليل والتحريم، فيقول: كلاهما نهي عنه، وإنما سبب النهي اختلف.
والتحقيق في ذلك: أن المقصود للناهي اجتناب الأجنبية والميتة فقط، والمفسدة التي من أجلها نهي عن العين موجودة فيها فقط، وأما ترك الأخرى؛ فهي من باب اللوازم، فهنا لا يتم اجتناب المحرم إلا باجتنابه، وهنا لا يتم فعل الواجب إلا بفعله.
وهذا نظير من ينهاه الطبيب عن تناول شراب مسموم، واشتبه ذلك القدح بغيره، فعلى المريض اجتناب القدحين، والمفسدة في أحدهما، ولهذا لو أكل الميتة والمذكى؛ لعوقب على أكل الميته كما لو أكلها وحدها، ولا يزداد عقابه بأكل المذكى، بخلاف ما إذا أكل ميتتين؛ فإنه يعاقب على أكلهما أكثر من عقاب من أكل إحداهما» اهـ.

الصفحات