لم تعد الدراسات في اللغة وآدابها منفصلة بعضها عن بعض مثلما صار الامر اليه بعد الجهود المضنية لوضع اللغة بمعزل عن الادب فقد آل الامر لهما ثانية الى نحو مابدأ موسوعياً عند الغرب بفضل اعتماد النقد الادبي المعاصر اعتماداً كبيراً على اللغة علومها في دراسة الادب
أنت هنا
قراءة كتاب بحوث في اللغة والأدب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وقد أفرد الثعالبي في كتابه (فقه اللغة): باباً خاصا في الكلام على الحركات والأشكال والهيئات والضرب، فذكر قوله :أشار بيده أو برأسه، غمز بحاجبه، رمز بشفتيه، لمح بثوبه. وأما في تفصيل حركات اليد وأشكال وضعها وترتيبا فيقول: فإذا جعل كفيه على المعصمين فهو الاعتصام فإذا وضعها على العضدين فهو الاعتضاد فإذا حرك السبابة وحدها فهو الالواء. فإذا دعا إنسانا بكفه قابضا إصبعها إليه فهو إيماء: فإذا حرك يده على عاتقه وأشار بها إلى ما خلفه إن كف؟ فهو الايباء.
إن السلوك يختلف باختلاف البيئية الاجتماعية فمن المعروف أن اللغة هي النظام الرئيس في عملية الاتصال بين البشر. وتصاحب اللغة أحيانا وسائل أخرى لأجل الشرح والتوضيح. وكل ثقافة عبارة عن شبكة معقدة من الأنظمة الدالة تسمح بأنماط مختلفة من الاتصال، و اللغة ليست سوى احد مكوناتها. والثقافة كما يقول تراجيه (Trager) هي "مجمل السلوك المتبع والمعروف من قبل أفراد المجتمع". وعلى هذا نستطيع القول أن الثقافة تساوي الاتصال. فإذا أخذنا الحركة التي تمثل جزءاً. من الإيماء (la kinésique) على سبيل المثال، في النصوص الأدبية المسرحية لدراسة الحركات الفرنسية المعاصرة التي ظهرت بين 1900 و 1945 وعلاقتها بالكلام نستطيع تمييزها على وفق الآتي فهنالك حركات مرافقة للكلام أو مكملة له وحركات تحل محل الكلام.
ففي دراسة علماء اللغة لحركات الإيطاليين الساكنين في مدينة نيويورك وجدوا أن الحركات التي يستخدمونها غير متماثلة مع حركات الإيطاليين الساكنين في ايطاليا لأنهم فقدوا صفات الحركة الشعبية الخاصة بهم ومميزاتها واقتربوا من الأمريكان فمدلول (Salut !) بالغة الفرنسية قد يعبر عنه بحركات مختلفة، كما أن حركة الرأس نفسها ولمس الجبهة باليد قد يكون لها مدلولات مختلفة باختلاف المجتمعات، لان كل مجتمع يمتلك نظام حركة خاص به كامتلاكه للغة خاصة به.
ففي المجتمع الفرنسي نرى على سبيل المثال لا الحصر حركات معينة لها دلالاتها الخاصة. فالحركة في الصورة (أ) تدل على الريب والشك ويعبر عنهما في اللغة الفرنسية بـ(mon oeil) وباللغة العربية المعاصرة (ياعيني) أو يا سلام! وفي الصورة (ب) تدل على (أنت مجنون)، والتي تقابل (tues fou) في اللغة الفرنسية، في الصورة (جـ) تعني هو (سكران أو مخمور) والتي يعبر عنها (il est ivre) والصورة (هـ) تدل على الحيرة في احد من الأمور. وفي الصورة (د) تعطي دلالة الكف عن الفعل. وفي الصورة (ن) تعطي دلالة طلب السكوت والكف عنالكلام وفي الصورة (ز) تعني لا شي أطلاقا.
ونجد من خلال ذلك أن هناك وجها من الشبه في قسم من هذه الحركات في مجتمعنا اللغوي العربي. فعندما يقوم الإنسان بتجميع أشتات أفكاره قد يستخدم ما يسمى عادة بتاتاة الصوت (un oruhh) أو حروف علة. وقد يقوم الإنسان باستخدام بعض الكلمات للهدف نفسه فمثلا كلمة (Well) باللغة الإنكليزية (حسنا) وكلمة (this) (este) في الأسبانية / الأمريكية. وقد تحدث الحركة وحدها وقد تكون مصحوبة بلغة الكلام.
فعلى سبيل المثال، إذا ما اقتربت فتاة من أبيها وطلبت منه موافقته على زواجها، و كان جوابه ذرع الغرفة جيئة وذهابا فقط، فهذا يعني موافقته إما إذا كانت الحركة بروز الشفة السفلى وهز الكتف فالحركة المرئية هنا تعطي خلفية الاعتذار والتردد في القبول في فرنسا. وتقسم كل من الحركات المسموعة والمرئية التي تصاحب الكلام على نوعين رئيسين وأربعة أنواع ثانوية :
النوع الرئيس الأول من الحركات هو الحركات المكتسبة (learned gestures) وهي مكتسبة لأنها جزء من ثقافة المتكلم كما هي الكلمات. وتلك التي في المرتبة الثانوية الأولى التي يطلق عليها (لغوي)، تشبه الكلمات كثيرا إلى درجة إن كثيراً من الناس يعدون الأمثلة المسموعة كلمات حقيقية وفي الحقيقة فان عدداً منهم لديه تهجئة قياسية : un huh للكلمة نعم huh yes للكلمة (لماذا) (what) وهمن (haman) لكلمة أتعجب (wander) (tsk-tsk) لقعقعة اللسان تستخدم للدلالة على الرفض وهكذا.
ويتضمن هذا النوع الثانوي تحريك اليد (وداعا) ودفع اليدين مع رفع الكتفين وراحتي اليدين لتدل على (لا اعلم) ووضع السبابة على الشفاه لتعطي معنى (اصمت) وغالبا ما تكون مصحوبة بـ (اش)، (اش) وقد تستعمل حضارات أخرى حركات لغوية مختلفة أو مشابهة ولكن مع إختلاف المعاني. أن حركة تعال هنا هي رفع اليد والإيحاء بالأصابع باستثناء أن راحة اليد تؤشر إلى الأسفل، والتي قد تعطي انطباعا خاطئاً لـ(التحية أو الاستدعاء).
النوع الثانوي الثاني هو الإشارات المستعملة المرسومة وفيها يحاول المتصل (destinateur) تقليد بعض الأشياء الدالة. كالحركة المسموعة لصوت النحلة (bzzz) ولإطلاق النار لمدفع رشاش مفضل للأطفال و (ah-ah-ah) وفي بعض الحالات يستعمل الصوت الحقيقي رمزا لصوت الغط في النوم.