أنت هنا

قراءة كتاب فقه الهجرة إلى الله في ظلال الحكم العطائية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فقه الهجرة إلى الله في ظلال الحكم العطائية

فقه الهجرة إلى الله في ظلال الحكم العطائية

أما بعد، فحكم ابن عطاء الله السكندري يكسوها جلال من نوع خاص، أصله قلب عرف الله ذا الجلال، فصدرت عنه إشارات على طريق معرفة الحق الأعظم في الوجود، من أرقى ما صدر عمن سوى الانبياء، تحس جلالها بلا تكلف، حيث: (كل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز)، وكسوة ق

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 4

• إعرف قدرك!

إن من شهد عظمة الله استصغر إلى جانبه كل ما سواه، وعرف أن قدر نفسه أهون من أن يقيم لها وزناً أمام تجلي صفات الله في كل حركة في الوجود، فتواضع ليبدأ الطريق، فـ(التواضع الحقيقي: هو ما كان ناشئاً عن شهود عظمته، وتجلي صفته)، وهو تواضع أصله الوعي بأنك مجرد مخلوق لم تكن قبل حين من الدهر شيئاً مذكوراً، فلا يكون لك أن تقدر لنفسك رفعة –ابتداءاً- لتثبت بعدها لها تواضعاً!-، و(من أثبت لنفسه تواضعاً: فهو المتكبر حقاً، إذ ليس التواضع إلا عن رفعة، فمتى أثبت لنفسك تواضعاً: فأنت المتكبر حقاً)، و(ليس المتواضع: الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع، ولكن المتواضع: الذي إذا تواضع رأى أنه دون ما صنع)، فالصانع والمصنوع من خلق الله: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات: 96)، والأمر كله من الله، وإن (خير أوقاتك: وقت تشهد فيه وجود فاقتك، وتَرِدُ فيه إلى وجود ذلتك)، وكيف لا تشهد فقرك إلى الله، وهو ربك (الحي) الذي أوجدك، (القيوم) الذي بمدده تبقى في الوجود، فهو قد (أنعم عليك أولاً بالإيجاد، وثانياً بتوالي الإمداد)، والأصل فيك ضعفك: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً) (النساء: 28)، وكل نعمة حادثة يسببها لك، هي تذكير بما يخفى ويُنسى من سابق حاجتك وفقرك قبلها، لأن (فاقتك لك ذاتية، وورود الأسباب مذكرات لك بما خفي عليك منها، والفاقة الذاتية لا ترفعها العوارض)، ففقرك أصيل وضعفك شديد، وربك وحده الغني الحميد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر: 15).
ثانياً: الدنيا (أين أنا؟): (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد: 20)
• صفة الدنيا:

منذ عرفنا أنفسنا ونحن هنا، في هذه الدنيا، وفي هذا الطبق من أطباق وجودنا، وهو طبق ابتلاء مؤقت، ظاهره جميل غر، وباطنه عبر، جعله الله (مزيناً) ليكون الابتلاء فيه ممكناً: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الكهف: 7)، وإنما يفقه القلب الحي ما فيها من عبرة، فـ(الأكوان ظاهرها غرة وباطنها عبرة ، فالنفس تنظر إلى ظاهر غرتها، والقلب ينظر إلى باطن عبرتها) ، وحال من كان فيها قبلك يحكي أنها ليست بدار مقام، ولن يدوم مكوثك فيها، ولذلك فإنك (إن أردت ألا تُعزل: فلا تتول ولاية لا تدوم لك).
ولكي تبصر ما فيها من عبر، جعلها الله محلاً لوقوع الكدر: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد: 4)، فـ(لا تستغرب وقوع الأكدار ما دمت في هذه الدار، فإنها ما أبرزت إلا ما هو مُستَحَقُّ وصفها، وواجب نعتها)، وقد جعل فيها من المنغصات وأنواع البلاء ما يسهل عليك معرفة قدرها، إذ (علم أنك لاتقبل النصح المجرد، فذوقك من ذواقها ما سهل عليك وجود فراقها)، و(إنما جعلها محلاً للأغيار، ومعدناً للأكدار: تزهيداً لك فيها)، فمهما تزينت لك ظواهرها حتى ترغب فيها، فإنها تبطن في نهايتها موتاً قادماً كفيلاً بأن يزهدك بكل زينتها مهما أغفلتك عنه تلك الزينة، فأنت (إن رغبت البدايات: زهدتك النهايات، إن دعاك إليها ظاهر: نهاك عنها باطن)، فلا تستكثرن منها لأنك مفارقها ومفارق كل ما فيها ومن فيها، و(ليقل ما تفرح به: يقل ما تحزن عليه) (8) ، وإنما يسوقك للطمع بما فيها: وهم دوامها، وتلهيك زينتها عن حقيقتها فـ(ما قادك شيء مثل الوهم)، فتحرر من عبودية الطمع المذل فيها إذ (ما بسقت أغصان ذُلّ: إلا على بذر طمع)، وكن سيداً حراً بالقناعة بما رضيه لك ربك منها، فـ(أنت حر مما أنت عنه آيس، وعبد لما أنت له طامع)(9) .

الصفحات